وَكَذلِكَ يَتبعهُم العُلمَاءُ الّذِين هُم
وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ، يَجِبُ عَلَى العَالِمِ أنْ يبيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
حَمَّلَه اللهُ مِن العِلمِ، وَلاَ يَكتمُ مِنهُ شَيئًا؛ فيَتَحمَّلُ الوَعِيدَ
المَذكُورَ فِي قَولِهِ جل وعلا: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ
وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ
ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ ١٥٩إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ
وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١٦٠﴾ [البقرة: 159 - 160]،
فمسْؤُولِيّةُ العلمَاءِ تَابِعةٌ لِمَسؤُولِيّةِ الأَنْبِيَاءِ.
ولَيْسَ
المَقصُودُ مِن العِلمِ أن الإنسَانَ يَكُونُ عَالِمًا فِي نَفسِهِ، وَلاَ
يُبيِّنُ لِلنَّاسِ؛ العِلمُ مَشتَرَكٌ؛ مَن حَمَلَهُ، صَارَ حُجَّةً عَليهِ أنْ
يُبلِّغَه، وَأنْ يَعمَلَ بِه، هَذِه مَسألَةٌ أُولَى.
المسْألَةُ
الثَّانِيةُ: فإذَا كَانَ الأنْبِيَاءُ - عَليهِمُ الصّلاةُ
والسَّلامُ - قَد بيَّنُوا لأُِمَمِهم الخَيرَ ليَسْلُكُوه، والشَّرَّ
ليَجْتَنِبُوه، فإنَّ أَكمَلَهم بَيَانًا وَبَلاَغًا وَنُصْحًا هُو نَبِيُّنَا
مُحَمّدٌ صلى الله عليه وسلم.
والنَّبيُّ
مِن الأنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ يُبَعَثُ إلَى قَومِهِ خَاصَّةً، أمَّا هَذَا
النّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَإنَّه بُعِثَ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، إلَى أنْ
تَقُومَ السَّاعةُ، وَحمَّلهُ اللهُ أنْ يُبلِّغَ، فَبَلَّغ صلى الله عليه وسلم
البَلاَغَ المُبِينَ، ولَم يُخفِ شَيئًا لِمَن بَحَثَ عَن الحَقِّ وأَرَادَ الحَقَّ،
لَم يَترُكْ صلى الله عليه وسلم شَيئًا، إلاَّ بَيّنَه، دلَّ الأمَّةَ عَلَى خَيرِ
مَا يَعلَمُه لَهُم، وحَذَّرَهم مِن شَرِّ مَا يَعلَمُه لَهُم.
المَسألَةُ
الثَّالِثَةُ: بيَانُ حَالِ هَذِه الأمَّةِ؛ أَنَّ خَيرَهَا
فِي أوَّلِها، وَهَذَا فِي السَّلفِ الصَّالحِ مِن الصَّحَابةِ وَالتَّابِعين
وأَتبَاعِ التَّابِعِين - القُرونُ المُفَضَّلةُ التِي أثْنَى عَلَيهَا رَسُول
اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالعِلمِ والعَمَلِ -، وكذَلِكَ مَن تَبِعَهُم مِمَّن
جَاءَ بَعْدَهُم.