خَيرُها فِي أوِّلِها؛ لأنَّه وَقتُ القُرُونِ
المُفضَّلةِ؛ صَدْرُ هَذِه الأمَّةِ، سَلَفُ هَذِه الأمَّةِ، وخَيرُ هَذِه
الأمَّةِ سَلَفُها أوَّلُها.
وهُنَاكَ
الآنَ بَعضُ المُثَقَّفِينَ أوْ المُفَكِّرِينَ - كمَا يُسَمُّونَ أَنفُسَهم - مَن
يَتَنَقَّصُ السَّلفَ، يَتنقَّصُ عِلمَهُم، ويَتنَقَّصُ مَكَانتَهُم، وهَذَا إمَّا
مِن جَهلِهِ بِحَالةِ السَّلفِ، وَإمَّا مِن ضَلاَلِه - والعِيَاذُ بِاللهِ -.
السَّلفُ
لَهُم قِيمَتُهم، ولَهُم مَكَانتُهُم، قَد أُمِرْنَا بِالاقْتِدَاءِ بِهِم
واتِّبَاعِهِم، وَأَمَّا مَن يَدَّعِي أنَّ الخَلَفَ أَدرَكُوا شَيْئًا لَم يُدرِكْهُ
السَّلفُ، فهَذَا إمَّا جَاهِلٌ، وإمَّا مُغَالِطٌ، ولاَ يتَنَقَّصُ السَّلفَ فِي
عِلمِهِم، ولاَ فِي عَمَلِهِم، ولاَ فِي جِهَادِهِم، لاَ يَتَنَقَّصُهم إِلاَّ مَن
فِي قَلبِهِ شَكٌّ وَرَيبُ نِفَاقٍ.
وخَيرُ
هَذِه الأمَّةِ أوَّلُها، عَافِيتُها فِي أوَّلِها؛ بقُرْبِهِم مِن زَمنِ الرَّسُولِ
صلى الله عليه وسلم. وأمَّا فِي آخِرِها، فَيأتِيهِم بَلاءٌ وَفِتنُ شُرُورٍ،
قَلَّ مَن يَسلَمُ مِنهُم - مُقِلٌّ ومُسْتَكثِرٌ -، والفِتنُ تَكُونُ فِي
الدِّينِ، وتَكُونُ فِي الدّنيَا، الفِتنُ كَثِيرةٌ ومُتنَوّعةٌ، مِنهَا مَا هُو
فِي الدِّينِ - كَفِتنَةِ الخَوَارجِ، والقَدَرِيّةِ، وغَيرِ ذَلِك مِن الفِرَقِ -،
هذِهِ فِتنةٌ بِلاَ شَكٍّ، والاخْتِلاَفُ شَرٌّ، والاجْتِمَاعُ رَحمَةٌ.
تَأتِي
علَى المُتَأخِّرِين فِتنٌ مُتفَاوِتةٌ ومُتتَابِعةٌ، مُتفَاوِتَةٌ فِي الخطُورَةِ
ومُتتَابِعةٌ - أيْضًا -، يَردُفُ بَعضُهَا بَعْضًا، كُلَّما تَحدُثُ فِتنةٌ،
يقُولُ المُؤمِنُ: هَذِه مُهلِكَةٌ. عِندَهُ خَوفٌ مِن اللهِ عز وجل؛ فيَخَافُ مِن
الفِتنِ، أمَّا مَن أَمِنَ الفِتنَةَ، فإنَّهَا تَأخُذُه، لَكنْ مَن خَافَ
مِنْهَا، فَإنَّه - بِإِذْنِ اللهِ -