×
شرح كتاب الفتن والحوداث

وَلَهُمَا عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمَيْتَتُةُ جَاهِلِيَّةٌ» ([1]).

****

«فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يَأتِيكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ([2])، هَذَا طَرِيقُ النَّجاةِ.

فإذَا كَانَ لِلمُسلِمِين إمَامٌ مُسلِمٌ، طَالَمَا أنَّه مُسلِمٌ مِنهُم؛ ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ [النساء: 59].

﴿مِنكُمۡۖ؛ مِن المُسلِمِين، طَالَمَا أنَّه مُسلِمٌ.

جَاءَ وَاحدٌ يُرِيدُ أنْ يُنَازِعَهُ، يُرِيدُ أن يَنتَزِعَ المُلكَ مِنْهُ، فَهَذَا صَاحِبُ فِتنَةٍ، هذَا يَشُقُّ عَصَا الطَّاعَةِ؛ فيَجِبُ عَلى المُسلِمِين أنْ يَردَعُوهُ، أنْ يَقتُلُوهُ؛ لأنَّه لَو بَقِيَ سَيُفْسدُ عَلَى المُسلِمِين، يُفرِّقُ جَمَاعتَهُم.

****

وهَذَا حَدِيثٌ - أيْضًا - فِي المَوضُوعِ نَفسِهِ، كرَّرَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم هذا، وأعاد فيه وأبدى؛ لحاجة الناس إليه ولخطورته.

قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَىَ مِنْ أَمِيْرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ»؛ لاَ بُدَّ أنْ يَحْصُلَ منْهُ شَيْءٌ يَكرَهُهُ، لَم يَأتِ الأَمِيرُ عَلَى كلِّ مَا تُرِيدُ، لكنْ سَدِّدُوا وقَارِبُوا؛ شَيءٌ أَهوَنُ مِن شَيءٍ، مَا دَامَ هُنَاكَ أَمِيرٌ مُؤمِنٌ، فَالزَمْهُ، ولَو كَرِهْتَ مِنْهُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَاصْبِرْ عَلَيهَا؛ لأنَّ مَا يُفضِي إلَيهِ الشِّقَاقُ وَالنِّزَاعُ أَشَدُّ ممَّا أَنْتَ فِيهِ الآنَ مَعَ مَا تَكرَهُ مِن الأَمِيرِ؛ فَارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْن لِدَفعِ أَعْلاَهُمَا، وَدَرْءِ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ علَى جَلبِ المَصَالحِ، اصْبِرْ.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7054)، ومسلم رقم (1849).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (3606)، ومسلم رقم (1847).