فهَذَا مِن ضِمْنِ مَكْرِهِم وَخَدِيعَتِهم
نَحْوَ المُسلِمِين، وَلَكنَّ الإِسْلاَمَ ثَابتٌ؛ لأنَّ اللهَ حَفِظَه، وإنْ كانَ
يَجْرِي عَلَى المُسلِمِين مَا يَجْرِي مِن المِحَنِ وَالفِتَنِ، وَلكنَّ
الإِسْلاَمَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَحفُوظٌ - وَللهِ الحَمْدُ - وثَابِتٌ إلَى أنْ
تَقُومَ السَّاعَةُ، لاَ أَحدَ يُغَيِّرْهُ أبَدًا، وَإنْ حَاولَ مَن يُحَاوِلُ،
فَإنَّ الإِسْلاَمَ ثَابتٌ فِي أُصُولُهُ «الكِتَابُ،
وَالسّنَّةُ، وَمَا عَلَيهِ سَلَفُ الأمَّةِ»، لاَ يُمكِنُ أنْ تُغَيّرَ
أُصُولَه وَقَوَاعِدَه.
هذَا
مُلَخَّصُ مَا جَرَى فِي أَمْرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.
فِي
أَثنَاءِ تَجَمُّعِهم حَوْلَ بَيتِه رضي الله عنه، جَاءَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ
رضي الله عنه، وكَانَ مِن أَحبَارِ اليَهُودِ المعظَّمِين فِيهِم، مِن
المَوثُوقِينَ.
ولمَّا
قَدِمَ النَّبيُ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، ذَهَبَ إِلَيهِ، وَنَظَرَ فِي
وَجهِهِ، وَاستمَعَ إلَى مَا يَقُولُ، فَعرِفَ أنَّه هُو الرَّسُولُ الّذِي وَعَدَ
اللهُ بِه فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ.
يقُولُ
رضي الله عنه: فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ
أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا
أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا
الأَْرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِسَلاَمٍ» ([1]).
هَذَا أوَّلُ مَا سَمِعَ مِن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَعَرِفَ أنَّه نَبِيٌّ، وأَنَّه المَوعُودُ بِه فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُه، وَصَارَ مِن أَفضَلِ عُلَمَاءِ المُسلِمِين، وَشَهِدَ لَه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالجَنَّةِ، هَذَا عَبدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ رضي الله عنه.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2485)، وابن ماجه رقم (1334)، والحاكم رقم (7277).