×
شرح كتاب الفتن والحوداث

فلمَّا جَاءَ اليَهُودُ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَسَمِعُوا مِنْهُ، وأَنْكَرُوا رِسَالتَه، وَقَالُوا: «هَذَا لَيْسَ النَّبِيُّ الَّذِي وَعَدَنَا اللهُ بِهِ»؛ مِن بَابِ العِنَادِ والحسَدِ: ﴿بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ [البقرة: 90]، فَمَنَعَهُم الحسَدُ وَالبَغيُ مِن اتّبَاعِ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَهُم يَعرِفُونَ أنَّه رَسُولُ اللهِ: ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ [البقرة: 146]؛ يَعرِفُونَه بِمَا عِندَهُم مِن أَوْصَافِهِ.

ولمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذَا هُو بِالأَوْصَافِ المَذكُورَةِ فِي التَّورَاةِ، فَأَنْكَرُوه، وَهُم يَعرِفُونَه، وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا المَوصُوفُ لنَا.

قِيلَ لَهُم: مَا تَقُولُونَ فِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ؟

قَالُوا: هَذَا عَالِمُنَا وَإِمَامُنَا، وَأَثْنَوا عَلَيهِ. فَاسْتَنطَقَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَبدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ رضي الله عنه، فقَالَ: أَشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأنَّك المَذْكُورُ فِي التَّورَاةِ والإِنْجِيلِ.

فعِنْدَ ذَلِكَ سَبُّوهُ، سَبُّوا عَبدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ رضي الله عنه، وَكذَّبُوه بعْدَمَا مدَحُوهُ، وَأَثْنُوا عَلَيهِ، واعْتَرَفُوا بِفَضلِهِ ([1]).

فَهَذا مَعْنَى قَولِهِ: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَ‍َٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إ [الأحقاف: 10]، هَذَا هُو عَبدُ اللهِ ابنُ سَلاَمٍ رضي الله عنه.

والآيَةُ الثَّانِيةُ: ﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ [الرعد: 43].


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3329).