×
شرح كتاب الفتن والحوداث

﴿قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا: لَو كنْتُ كَاذِبًا، هَلْ اللهُ يقِرُّنِي، ويُمْهِلُنِي، وَيُصدِّقُنِي؟، لَو كَانَ كَاذِبًا، فَإنَّ اللهَ يَأخُذُه عَلَى عَجَلٍ، ولاَ يَتْرُكُه؛ كمَا أَخَذَ الكذَّابِينَ.

فكَونُ اللهِ يُقرُّه، وَيَنصُرُه، ويُؤَيِّدُه - اللهُ يَطّلَعُ عَلَيهِ وَهو عَلَى مَا يَقُولُ شَهِيدٌ -، هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّه رَسُولُ اللهِ؛ لأِنَّ اللهَ لاَ يَتْرُكُ الكذَّابِينَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ النّبُوَّةَ. أيْنَ هُم الكَذَّابُونَ؟ ادَّعَى النّبوَّةَ كَثِيرٌ، أيْنَ هُم الآنَ؟ قطَعَ اللهُ دَابِرَهُم: مُسَيْلمَةَ، والأَسْوَدَ العَنْسِي، وَمَن جَاءَ بَعْدَهم، لَم يَصِرْ لَهُم أَتبَاعٌ، قَطَعَ اللهُ دَابِرَهم، وَلاَ يُمْهِلُهُم اللهُ عز وجل.

أمَّا هَذَا الرَّسُولُ، فَإنَّ اللهَ أمَدَّه، وَأَعَانَه، وَجَعَلَ لَه أَنْصَارًا وَأَتْبَاعًا، وأَنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي يُصَدِّقُه، هَذِه شَهادةُ اللهِ عز وجل لَه بِالنُّبوَّةِ، شهَادَةُ اللهِ لَه بِالرِّسَالةِ؛ إِقرَارُهُ لَه، وهُو يَقُولُ: إنِّي رَسُولُ اللهِ، لَو كَانَ كَاذِبًا، لَم يَتْرُكْهُ اللهُ يكَذِبُ عَليهِ: ﴿قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ [الرعد: 43]، هَذِه وَاحِدةٌ.

الثَّانِيةُ: شهَادَةُ مَن عِنْدَه عِلمُ الكِتَابِ، عُلَمَاءُ اليَهُودِ يَعرِفُونَ أنَّه رَسُولُ اللهِ، أمَّا عَوَامُّهُم، فَلاَ عِبْرَة بِهِم، لكنَّ عُلمَاءَهم يَشهَدُون أنَّه رَسُولُ اللهِ: ﴿يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ [البقرة: 146]، لكِنْ مِنهُم مَن مَنَّ اللهُ عَلَيهِ بِالهِدَايةِ، فَأَسْلَمَ مِثْلَ عبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، ومِنْهُم مَن عَانَدَ وكَابَرَ، مَعَ عِلمِهِ أنَّه رَسُولُ اللهِ.

قَولُه تعالى: ﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ [الرعد: 43]؛ يَعنِي: عَبد اللهِ بْن سَلاَمٍ رضي الله عنه، فَهُوَ مِن عُلَمَاءِ اليَهُودِ، وَمَع هَذَا شَهِدَ أنَّه رَسُولُ اللهِ، وآمَنَ بِه، وَاتَّبَعَه، فَهَذَا مَعْنَى الآيَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.


الشرح