«فِتْنَةٌ عَمْيَاءٌ، صَمَّاءٌ، عَلَيْهَا
دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ؛ فَإِنْ تَمُتْ يَا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ
عَلَى جَذْلٍ، خَيْرٌ لَّكَ مِنْ أَنْ تَتْبَعَ أَحَدًا مِنْهُم» ([1]).
****
قَولُه: «أَتَيْنَا الْيَشْكُرِيَّ فِي رَهْطٍ مِنْ بِنِي لَيْثٍ، فَقَالَ: مَنِ
الْقَومُ؟ فَقُلْنَا: بَنُو لَيْثٍ: أَتَيْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ،
فَقَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى قَافِلِيْنَ، وَغَلَتِ الدَّوَابُّ
بِالكُوفَةِ. قَالَ: فَسَأَلْتُ أبا مُوسَى أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَأَذِنَ لَنَا»،
أبُو مُوسَى الأَشعَرِيّ رضي الله عنه هُو أَمِيرُ الكُوفَةِ، اسْتَأذَنَه هَذَا
الوَفدُ أنْ يَقدُمُوا عَلَى الكُوفَةِ، فَأَذِنَ لَهُم.
قَولُه:
«قَالَ: فَقُمْتُ عَلَيْهُم، فَجَاءَ
رَجُلٌ، فَقَامَ إِلَى جَنْبِي. قَالَ: فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبَصْرِيٌّ
أَنْتَ؟ قَلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَوْ كُنْتَ كُوفِيًّا لَمْ
تَسْأَلْ عَنْ هَذَا»؛ يَعنِي: هَلْ أَنْتَ مِن هَذَا البَلدِ، وَتَجهَلُ
هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَتَحَدَّثُ؟ قَالَ: لاَ، أنَا مِن البَصْرَةِ.
البَصرَةُ
مَدِينةٌ أخْرَى مِن مُدنِ العِرَاقِ، أَشهَرُ مَدِينَتَانِ فِي العِرَاقِ:
الكُوفَةُ والبَصْرَة.
هذَا
الرَّجلُ الّذِي يَتحَدَّثُ كَانَ مَن هُو؟ كَانَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ رضي
الله عنه.
قَولُه: «فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ»، هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَقتَصِرُ علَى تَعلُّمِ الخَيرِ، بَلْ يَتعَلَّمُ الشّرَّ - أَيضًا -، يَعرِفُ الشّرَّ مِن أيْنَ يَأتِي، مَا أَسْبَابُه، ومَا أَنْوَاعُه، وَمَن الَّذِي يَقُومُ بِه؛ مِن أَجلِ أنْ يَحذَرَ مِنْهُ، وَيُحَذِّرَ النَّاسَ.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4246)، وأحمد رقم (23282).