×
شرح كتاب الفتن والحوداث

 قَولُه: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيرٌ؟ قَالَ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ، فِيهَا - أَوْ فِيهِم -»»، يكُونُ بَعْدَ هذَا الشَّرِّ خَيرٌ، لَكِنَّه لَيْسَ خَالِصًا، يكُونُ خَيرٌ، لَكِنَّه فِيهِ دَخَنٌ؛ يَعنِي: فِيهِ شَيءٌ مِن الشَّرِّ؛ مَخْلُوطٌ.

قَولُه: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ مَا هِيَ؟ قَالَ: «لاَ تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيهِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «فِتْنَةٌ عَمْيَاءٌ، صَمَّاءٌ»»؛ عَميَاءُ لاَ تُبصِرُ، صَمَّاءُ لاَ تَسمَعُ، بِمَعْنَى أنَّها مُتغَلْغِلةٌ، لاَ يَرُدُّهَا رَادٌّ، إذَا حَدَثَتْ الفِتَنُ، صَعُبَ دَفْعُها، لَكنْ قَبْلَ أنْ تَحدُثُ، فَإنَّه يَجتَهِدُ فِي إِغْلاَقِهَا، وَإِبْعَادِ النَّاسِ عَنْهَا، وإلاَّ إذَا حَدَثَت، كثِيرٌ مِن النَّاسِ يُرِيدُونَ الفِتنَ - وَالعِيَاذُ بِاللهِ -، كثِيرٌ مِن النَّاسِ يُرِيدُونَ الفِتنَ، وَيَعْشَقُونَهَا، ويَستَمِعُونَ لأَِهْلِهَا؛ فَلاَ يُفتَحُ هَذَا البَابُ.

قَولُه: «عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ»، لَيْسَت فِتنةٌ عَمْيَاءٌ صَمَّاءٌ فَقَطْ، وَأَيضًا عَلَيْهَا دُعَاةٌ يَدْعُون لَهَا، وَيُرَغِّبُون فِيهَا، وَفِي حَدِيثٍ آخَر: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُم إِلَيْهَا، قَذَفُوهُ فِيهَا» ([1]).

الفِتنَةُ لاَ تَأتِي بِنَفْسِها فَقَطْ، بَل لَهَا مُرَوِّجُون، لَهَا دُعَاةٌ يُرَوِّجُونَها، وَيُزَيِّنُونَها لِلنَّاسِ، فَتَدْخُلُ أَفكَارُ كَثِيرٍ مِن المَغْرُورِينَ، هِي فِي نَفْسِها فِتنَةٌ شَدِيدةٌ، وَأَيضًا لَهَا حَمَلَةٌ يَدْعُونَ إِلَيهَا.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3606)، ومسلم رقم (1847).