وَلَهُمَا، عَن
أَبِي إِدْرِيسِ الْخَوْلاَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: كَانَ
النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ
أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا
الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ
بَعْدَ ذَلك الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا
دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَومٌ يَهْدُونَ بِغَيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُم
وَتُنْكِرُ»، قُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَاكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ:
دَعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُم إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»،
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُم لَنَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ
جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ
أَدْرَكْني ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِيْنَ وَإِمَامَهُمْ»،
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ
تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَّجَرَةٍ، حَتَّى
يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ([1]).
****
هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ، حُذَيفَةُ رضي الله عنه
كانَ مَعْنِيًّا بِالسُّؤَالِ عَن الفِتَنِ؛ خَوْفًا علَى دِينِه، يُرِيدُ أنْ يَعرِفَ
الحُكمَ الشَّرْعِيَّ إذَا وَقَعَتْ، لَم يَكنْ يَسأَلُ عَن الفِتَنِ مَحبَّةً
لَهَا، وإنَّما كَانَ يَسأَلُ عَنهَا خَوْفًا مِنْهَا عَلَيهِ وَعَلَى الأُمَّةِ.
قَالَ رضي الله عنه: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ»؛ يَعنِي: عَن الخَيرِ فَقَطْ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3606)، ومسلم رقم (1847).