×
شرح كتاب الفتن والحوداث

قَالَ رضي الله عنه: «وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي»؛ فَهَذَا فِيهِ فَائِدةٌ عظِيمَةٌ، وَهِي أنَّ الإِنسَانَ لاَ يَقتَصِرُ عَلَى تَعَلُّمِ الخَيرِ، وَلَكِنَّهُ يَجمَعُ بَيْنَ تعَلُّمِ الخَيرِ وَتَعَلُّمِ مَاذَا سَيَكُونُ ضِدَّ الخَيرِ؛ حتَّى يَستَعِدَّ لَه؛ لأِنَّ الخَيرَ لاَ يَدُومُ - هَكَذَا الدُّنيَا -، الخَيرُ لاَ يَدُومُ، وَالشَّرُّ - أَيْضًا - لاَ يَدُومُ: ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ [آل عمران: 140]، وَلَو كَانَ الخَيرُ يَدُومُ، لَم نَحْتَجْ إِلَى السُّؤَالِ عَن الشَّرِّ، وَلَكِنْ نَعْلَمْ أنَّ الخَيْرَ لاَ يَدُومُ، فنَسْألُ: مَاذَا نَعمَلُ إذَا جَاءَ الشَّرُّ؟ هَذَا فِقهٌ عَظِيمٌ.

الآنَ هُنَاكَ مِن النَّاسِ مِن الجُهَلاَءِ أوْ مِن المُغرِضِين مَن يَقُولُونَ: «لاَ تَدْرُسُوا مَذَاهِبَ الفِرقِ، وَالخَوَارِجِ، وَالمُعتَزِلَة، وَالجَهْمِيّةِ، هَؤُلاَءِ مَاتُوا، ذَهَبُوا، يَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ مَاتُوا، وَذَهَبُوا، فَلاَ تَدْرُسُوا هَذَا». يَقُولُ هَذَا مِن الجَهلِ أوْ مِن الغِشِّ لِلأمَّةِ.

لاَ بُدَّ مِن دِراسَةِ هَذَا؛ لأِنَّ لَهم وَرَثةٌ، فَمَا مِن قَومٍ إلاَّ وَلَهُم وَارِثٌ، الجَهْمِيّةُ بَاقِيةٌ للآَنَ، والمُعتَزِلَةُ بَاقِيةٌ للآَنَ، وسَائِرُ الفِرَقِ بَاقِيَةٌ.

وأيْضًا لَو فَرَضْنَا أنَّهُم انْقَرَضُوا هُم بِأَشْخَاصِهِم، فَكُتُبُهم مَوجُودَةٌ مَطْبُوعَةٌ، ويَطْبَعُونَهَا، وَيَنْشُرُونَهَا، وَيُحَقِّقُونَها، وَيَعْتَنُونَ بِهَا للآَنَ، فَأَتْبَاعُهُم يَعْتَنُونَ بِهَا جِدًّا، والدُّوَلُ الكَافِرةُ - أيضًا - تَعْتَنِي بِها مِن أجْلِ أنْ تَدُسَّها عَلَى المُسلِمِين، فَلاَ بُدَّ مِن دِرَاسةِ هذِهِ الأُمُورِ مِن أَجلِ أنْ نَعْملَ لَهَا مُضَادًّا، وإلاَّ فَإِنَّها سَتَضُرُّ النَّاسَ.

فهَذَا وَجهُ كَونِ حُذَيفَةَ رضي الله عنه يَسأَلُ عَن الشَّرِّ، لِمَاذَا يَسأَلُ عَنْهُ؟ قَد بيَّنَ هَذَا، فَقَالَ رضي الله عنه: «مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي»، فَإِذَا أَدرَكَنِي، يَكُونُ عِندِي


الشرح