×
شرح كتاب الفتن والحوداث

 مَا أُعَالِجُ بِه هَذِه الحَوَادِثَ، وأَبْتَعِدُ عَن شَرِّهَا، وَهَذَا مِن فِقْهِهِ رضي الله عنه وَنُصْحِهِ لِلأُمَّةِ.

قَالَ رضي الله عنه: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ»، هَذَا قَبْلَ بِعثَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانُوا يَعبُدونَ الأَصنَامَ، وَيَعبُدُون الأَشجَارَ والأَحْجَارَ، ويَنهَبُ بَعضُهُم بَعْضًا، وَيَقتُلُ بَعضُهُم بَعْضًا، كَانُوا لاَ يَتَقَيَّدُون بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ؛ يَأكُلُونَ الرِّبَا، يَأكُلُون المَيْتَاتِ - الجِيَفَ -، يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَغَيرَ ذَلِكَ مِن المُوبِقَاتِ، هَذَا فِي الجَاهِلِيّةِ.

ثمَّ جَاءَ اللهُ بِالخَيرِ، فَبَعَثَ رَسُولَه صلى الله عليه وسلم، وَجَاءَ الإِسْلاَمُ، وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِه، فَهَلْ يَستَمِرُّ هَذَا الخَيْرُ؟ سأَلَ حُذَيفَةُ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلك الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَومٌ يَهْدُونَ بِغَيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُم وَتُنْكِرُ»؛ يكُونُ عِندَهُم مَا تَعرِفُ مِنهُم وتُنكِرُ، يَكُونُ مِنْهُم تَغَيُّرَاتٌ، يُشِيرُ بِذَلِك إلَى وُلاَةِ الأمُورِ، يَكُونُ عِنْدَهم بَعضُ الأمُورِ، بَعْضُ الأَفكَارِ، بَعضُ الشَّهَوَاتِ وَالانْحِرَافَاتِ، إلاَّ أنَّها لاَ تَصِلُ إِلَى حَدِّ الكُفرِ، فَعِندَ ذلِكَ يَجبُ مُعَالجَةُ هَذَا الشَّرِّ.

ولاَ يَسُوغِّ هَذَا الخُرُوجَ عَلَى وُلاَةِ الأُمُورِ؛ فَتَلزَمُ طَاعَتُهُم؛ جَمْعًا لِلكَلِمَةِ، وَلِئَلاَّ يَزِيدَ الشَّرُّ، وَتَزِيدُ الفِتنَةُ فِتنَةً، فَبَقَاءُ وُلاَةِ الأمُورِ - وإِنْ كَانُوا عَلَى غَيرِ المَطلُوبِ مِن كلِّ جِهةٍ - مَا لَم يَصِلُوا إِلَى حَدِّ الكُفرِ، فَبَقَاؤُهُم خَيرٌ لِلنَّاسِ، وَمُمَارَسَاتُهُم عَلَيهِم هُم، وَبَقَاؤُهُم خَيرٌ لِلأُمَّةِ؛ يَدْرَؤُونَ بِهِم الشّرَّ ويَلتَفُّونَ حَولَهُم، فَهَذَا مِن فِقهِهِ رضي الله عنه.


الشرح