×
شرح كتاب الفتن والحوداث

قَالَ رضي الله عنه: «قُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلك الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»»؛ يَعنِي: فِيهِ خَلْطٌ، لَيْسَ خَيْرًا خَالِصًا، بَل فِيهِ خَلطٌ مِن الشَّرِّ - كَمَا ذَكَرْنَا -؛ قَومٌ يَستَنُّونَ بِغَيرِ سُنَّةِ الرَّسُولِ، وَيَهتَدُونَ بِغَيرِ هَديِهِ ويَكُونُ عِندَهُم شَهَوَاتٌ، وَيَكُونُ عِندَهُم بَعضُ الأفْكَارِ؛ مِثلَمَا حَدَثَ مِن المَأمُونِ، وَمِثلَمَا حَدَثَ مِن غَيرِه، مِثْلَمَا يَحدُثُ مِن بَنِي العبَّاسِ، فِيهِ خَيرٌ وَفِيهِ شَرٌّ.

وفِي هَذَا - كَمَا سَبَقَ - أنَّ الإِنسَانَ يَلزَمُ السَّمعَ وَالطَّاعَةَ؛ لُزُومَ الجَمَاعَةِ، وَيَصبِرُ عَلَى مَا يَكُونُ مِن النَّقصِ؛ لأَنَّهُ عِنْدَ الاخْتِيَارِ بين النَّقصِ والعَدَمِ، النَّقْصُ خَيرٌ مِن العَدمِ المَحْضِ.

فهَذَا المَنهَجُ الَّذِي أَوْصَانَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ البيَانِ وَمَعَ النُّصْحِ؛ فَلاَ يَسكُتُ الإِنسَانُ، وَلاَ العُلمَاءُ يَسْكُتُونَ؛ بَل يُبَيِّنُون، وَيُنَاصِحُون الوُلاَةَ، هَذَا وَاجِبٌ، وَلاَ يَسْكُتُونَ عَلَى ذَلِك، وَيَقُولُون: نَرْضَى بِهَذَا. لاَ، مَعَ المُنَاصَحَةِ وَالمُعَالجَةِ.

قَالَ رضي الله عنه: «قُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَاكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟»؛ يَعنِي: هَذَا الخَيرُ الَّذِي فِيهِ دَخَنٌ هَلْ بَعْدَه شَرٌّ؟

قَالَ رضي الله عنه: قَالَ: «نَعَمْ»، فَهُنَا تَأتِي المُصِيبَةُ: «دعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ»؛ دَعَاةٌ يَدْعُونَ إلَى النَّارَ؛ كمَا قَالَ اللهُ جل وعلا: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ [البقرة: 221]، والشَّيْطَانُ ﴿يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ [فاطر: 6].

كَمَا أنَّ هُنَاكَ دُعَاةٌ لِلخَيرِ هُنَاكَ دُعَاةٌ لِلشَّرِّ، والنَّاسُ أَقرَبُ إلَى دُعَاةِ الشَّرِّ مِنهُم إِلَى دُعَاةِ الخَيرِ؛ لأنَّ النُّفُوسِ تَمِيلُ إلَى الفِتَنِ، وتَمِيلُ إلَى الشُّبُهَاتِ، إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ عز وجل.


الشرح