وَفِي رِوَايَةٍ:
«يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ
بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي
جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ
أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَْمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ
ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» ([1]).
****
«وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ
شَّجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»؛
يَعْنِي: عَلَى دِينِكَ، مُتَمَسِّكًا بِدِينِكَ، مُعْتَزِلاً لِلفِتَنِ
وَلِلدُّعَاةِ الَّذِين عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، يُدرِكُكَ المَوتُ وَأَنْتَ
كَذَلِكَ، فتَمُوتُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
هَذَا
حَدِيثٌ عَظِيمٌ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ، وَفِيهِ مَنهَجٌ وَاضِحٌ
لِلمُسلِمِ عِنْدَ وُجُودِ الفِتَنِ، عِنْدَ وُجُودِ دُعَاةِ جَهَنَّم مَاذَا
يَعمَلُ؟ هَذَا يَرْسِمُ لَكَ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ الَّذِي تَنْجُو بِهِ مِن
الفِتَنِ وَالشُّرُورِ.
****
وَهَذَا - أيْضًا - حَدِيثٌ عَظِيمٌ، أنَّه سَيَكُونُ هُنَاكَ أَئِمّةً عِنْدَهُم انْحِرَافَاتٌ؛ تَغَيُّرَاتٌ وأَفكَارٌ، لَكِنْ طَالَمَا لَم يَبْلُغُوا إِلَى حدِّ الكُفْرِ، ويُقِيمُونَ الصَّلاَةَ فَإِنَّه يَصبِرُ عَلَى مَا عِنْدَهم، حَتَّى وَلَو كَانَ فِيهِم ظُلمٌ: «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ»، اصْبِرْ عَلَيهِ، وَلَو ضُرِبَ ظَهرُكَ بِالعِصِيِّ، وَأُخِذَ مَالُكَ؛ لأنَّ الدِّينَ لاَ يُعَوَّضُ، أمَّا الضَّربُ، وَأَمَّا المَالُ، فيُعَوَّضُ لَكنَّ الدِّينَ لاَ يُعوّضُ، اصْبِر عَلَى دِينِكَ، وَاصبِرْ عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ، وَلَو ظلَمَكَ وَلَو كَانَ الوُلاَةُ ظَلَمَةٌ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (1847).