×
شرح كتاب الفتن والحوداث

فهَذَا فِيهِ ظهُورُ المُتَنبِّئِينَ، وَفِيهِ أنَّه يَجبُ عَلَى المُسلِمين ألاَّ يُصَدِّقُوهم، وأنْ يُقَاتِلُوهم هُم وَأَتْبَاعَهم؛ حَتَّى يَستَرِيحَ النَّاسُ مِن شَرِّهِم، وَيَظهَرُ كَذِبُهُم، وَقَد حَصَلَ - وللهِ الحَمدُ - أنَّهُم قُوتِلَ رُؤُوسُهُم، وَأَبطَلَ اللهُ شَرَّهُم.

ثالثًا: «وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ»؛ مِن الفتَنِ قَبضُ العِلمِ، هَل: يُقبَضُ بِأَخذِه مِن الكُتُبِ ومِن صُدُورِ النَّاسِ؟ لاَ، بيَّنَ صلى الله عليه وسلم كَيفَ يقبَضُ العِلمُ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ([1])، يُقبَضُ العِلمُ بِقَبضِ العُلمَاءِ؛ لأِنَّه طَالَمَا العُلمَاءُ مَوجُودُون، فَالعِلمُ بَاقٍ، فَوُجُودُهم عَلاَمةُ خَيرٍ، وَفِي قَبضِهِم عَلاَمَةُ شَرٍّ وَفِتنَةٍ؛ لأِنَّه بِفَقدِهِم يُفقَدُ العِلمُ؛ لأِنَّهم هُم حَمَلَةُ العِلمِ، وَمَاذَا تُغنِي الكتُبُ الكَثِيرَةُ مَعَ فَقدِ العُلمَاءِ؟!

وُجُودُ الكتُبِ لاَ يَكفِي، هَلَكَ بَنُو إِسرَائِيلَ وَعِندَهُم التَّورَاةُ وَالإِنْجِيلُ، فَلمَّا لَم يَكُنْ عنْدَهُم عُلَمَاءٌ يَقُومُونَ بِالحَقِّ، هَلَكُوا.

فَوُجُودُ الكتُبِ بَيْنَنا وَانتِشَارِ الكتُبِ وَتَنوُّعِها هَذَا لاَ شَكَّ أنَّه خَيرٌ، لكِنْ لاَ يَكفِي؛ لأنَّه يَأتِي مَن يَقرَأُ هَذِه الكُتبَ عَلَى غَيرِ بَصِيرَةٍ وَيُضِلُّ النَّاسَ وَيُظَنُّ أنَّه عَالِمٌ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»؛ ضَلُّوا هُم، وَأضَلُّوا غَيْرَهُم.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (100)، ومسلم رقم (2673).