×
شرح كتاب الفتن والحوداث

فَمَوقِفُ الْمُسْلِمِ مِن الْفِتْنَةِ أَنَّهُ إن أَمْكَنَ أن يَعْتَزِلَهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ - كأنَّ لَهُ قُوَّةً، وَيَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ -، فَإِنَّهُ يُقَاوِمُ الْفِتْنَةَ؛ مِثْلَمَا حَصَلَ مِنْ عَلَيٍّ رضي الله عنه، يُقَاوِمُ بِقَدْرِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِن الْسُّلْطَةِ، ومِن الْقُوَّةِ وَالتَّمْكِينِ، يُقَاوِمُ الْفِتْنَةَ: إمَّا أن يَقْضِيَ عَلَيْهَا، وإمَّا أن يُخَفِّفهَا، وَيُهَيِّئَ الأَمْرَ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُصْلِحِينَ، هَذَا مَوْقِفُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيِّ بنِ أَبِي طَالِب رضي الله عنه.

قوله: «فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ أَخْرِجِي سَيْفِي، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ، فَسَلَّ مِنْهُ قَدْرَ شِبْرٍ، فَإِذَا هُوَ خَشَبٌ، فَقَالَ: إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَتَّخِذُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ، فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ، قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِى فِيكَ، وَلاَ فِي سَيْفِكَ»؛ أَرَادَ أن يُرِيَ عليًّا رضي الله عنه أَنَّهُ مُعْتَزِلٌ الْفِتْنَةَ، وَأَنَّهُ اتَّخَذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ لاَ يَعْمَلُ شَيْئًا، فَتَرَكَهُ عَلَيٌّ رضي الله عنه، لَمَّا رَآهُ لاَ يَرْغَبُ الْمُشَارَكَةَ، تَرَكَهُ.

«فَإِذَا هُوَ خَشَبٌ»، لَيْسَ بِسَيْفٍ؛ لِيُرِيَ عليًّا رضي الله عنه أَنَّهُ مُعْتَزِل الْفِتْنَة.

«فَأَتَّخِذُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ»؛ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ لاَ يَقْطَعُ؛ يَعْنِي: لاَ يُشَارِكُ فِي الْفِتْنَةِ.

قَالَ لَهُ: «فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ»؛ لأَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ شِئْتَ أن تَتْرُكَنِي عَلَى اعْتِزَالِي: إن أَرَادَ أن يَخْرُجَ، عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَإِنْ سَمَحَ لَهُ ولا يَخْرُجُ، فَهَذَا أَحَبُّ إلَيْهِ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَمَحَ لَهُ بِذَلِكَ، تَرَكَهُ وَاعْتِزَالهُ الْفِتْنَة.

****


الشرح