وله عن سعدٍ رضي الله عنه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ»، وَتَلاَ يَزِيدُ: ﴿لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ﴾ [المائدة:28] الآية ([1]).

وَلَه عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَاَلَ: قَاَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ - أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ - يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا، فَكَانُوا هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَقَالُوا: وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ» ([2]).

****

 قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ»؛ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّتَهُمْ لَنَا؛ لِنَعْتَبِرَ بِهَا عِنْدَ الْفِتَنِ.

فَهَذَا فِيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ أنَّ الْمُسْلِمَ يَدْفَعُ الصَّائِلَ، إِذَا صَالَ عَلَيْهِ؛ كَمَا فِي الأَْدِلَّةِ، وَأَنَّهُ أحيانًا لاَ يَدْفَعُ الصَّائِلَ، وَيَسْتَسْلِمُ، مَتَى هَذَا؟ هَذَا فِي الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لاَ يَدْفَعُهُ فِي الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِتْنَةٌ، وَدَخَلَ مُتَلَصِّصٌ، فَإِنَّك تُدَافِعُه، لاَ تَسْتَسْلِمْ لَهُ.

****

قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً»؛ يَعْنِي: يُسْتَعْمَلُ فِيْهِ الْغِرْبَال، الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي تَصْفِيَةِ الْحُبُوبِ؛ تُوضَعُ فِي الْغِرْبَالِ، الَّذِي يَخْرُجُ مَنْ خِلاَلِهِ الْحَبُّ، وَيبْقَى التِّبْن وَالْخَلْط، يبْقَى ولا يَخْرُجُ مَعَ خَلَل الْغِرْبَالِ.

---

الشرح