×
شرح كتاب الفتن والحوداث

 خَافُوا عَلَى أَنفُسِهم، كَانَ صلى الله عليه وسلم لمَّا ذكَرَ لهُم ذَلِك قَامَ مِن مَجلِسِه، ثمَّ الصَّحَابةُ أَخَذَهم الخَوفُ الشَّدِيدُ؛ يَخشَونَ أنَّه قَد ظَهَرَ فِي طَائِفةِ النَّخلِ - يَعنِي: بِنَاحِيةِ النَّخلِ قَرِيبًا مِنهُم -، ظنُّوا هَذَا؛ لأنَّهم يُصدِّقُون خَبَر الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ولاَ يَشكُّونَ فِيهِ، فَخَافُوا مِن الدّجَّالِ خَوفًا شَدِيدًا.

ثمَّ جَاءَهُم الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرُوا لَه ذَلِك، لمَّا رَأَى فِيهِم التَّأثُّر، سَأَلَهم، فَأَخبَروه أنَّهم تَأثَّروا بِذِكرِ الدّجَّالِ وَفِتنَتِه، وَهَكذَا المُسلِمُ يخَافُ، يَتَذكَّر إِذَا ذُكِّرَ، ويَخَافُ إذَا خُوِّف، فَهُم مِن شِدَّةِ إِيمَانِهم بِخَبَر الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ظنُّوا أنَّ الدّجَّالَ قَد حَضَر.

قَالَ صلى الله عليه وسلم: إنّه إنْ يَظهَرْ والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مَوجُودٌ، فَإنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يكُونُ حَجِيجَه، وأمَّا إنْ ظَهَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَإنَّه يَستَخلِفُ اللهُ عَلَى أُمّتِه؛ «وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ».

فَاللهُ يَكُونُ خَلِيفةً يَخلُفُ عَبدَه المُؤمِنَ فِي وَلَدِه وَفِي أَهلِه، إِذَا غَابَ وَسَافَر، وَلِهَذا فِي دُعَاءِ السَّفَرِ: «وَأَنْتَ الخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ»؛ تَحفَظُهم وَتَرعَاهُم، فَاللهُ خَلِيفَةٌ، وَلَيْسَ هنَاكَ خلِيفَةٌ للهِ عز وجل، لاَ يُقَالُ: خَلِيفَةُ اللهِ؛ فَاللهُ لَيْسَ لَه خَلِيفَةً، وأمَّا قَولُه تعَالَى عَن آدَمَ عليه السلام: ﴿إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ [البقرة: 30]، فَمَعنَاه: أنَّه يَخلُفُ مَن قَبلَهُ مِن الأُمَمِ الّتِي قَبلَهُ علَى وَجهِ الأَرْض، يَخلُفُهم؛ النّاسُ يَخلُفُ بَعضُهم بَعضًا؛ لمَّا قَالَ جل وعلا: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ [الأنعام: 165]، يَخْلُفُ بَعضُهم بَعضًا، وَأمَّا اللهُ جل وعلا، فَإِنَّه لاَ يَستَخْلِفُ أَحَدًا مِن خَلقِه بَدَلاً عَنه سبحانه وتعالى.


الشرح