لمَّا عَادُوا إِلَى مكَّةَ، وَجَدُوهَا أَسوَأَ
ممَّا كَانَتْ، وَأنَّ هَذَا الخَبَرَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، والتَّضيِيقُ لاَ يَزَالُ
علَى أَهلِ الإِسلاَمِ، فَهَاجَرُوا مَرّةً ثَانِيةً الهِجرَةَ الثَّانِيةَ إِلَى
الحبَشَةِ، ثمّ جَاؤُوا بَعدَ ذَلِكَ فِي غَزوَةِ تَبُوكٍ، لمَّا انتَصَرَ
الإِسلاَم، وَفُتِحَت مَكّةُ، ودَخَلَ النّاسُ فِي دِينِ اللهِ أَفوَاجًا، جَاؤُوا
مِن الحَبَشَةِ.
وأَذِنَ
النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصْحَابِه بِالهِجرَةِ إِلَى المَدِينةِ؛ لأنّ
الأَنصَارَ كَانَ يقَالُ: لَهُم الأَوسُ والخَزرَجُ، لاَ يُقَالُ لَهُم:
الأَنصَارُ - الأَوسُ وَالخَزرَجُ - وَكَانَ بَينَهُم وَبَينَ اليَهُودِ عَدَاوةٌ
فِي المَدِينَةِ.
اليَهُودُ
كَانُوا مُستَوطِنِين فِي المَدِينةِ بِجِوارِ الأَوسِ والخَزرَجِ، وكَانَ
بَينَهُم عَدَاءٌ، وَكَانَ بَينَهُم شَحنَاءُ.
لكنَّ
اليهُودَ كَانُوا يُهدِّدُون الأَوسَ وَالخَزرَجَ، يَقُولُون: سَيُبعَثُ نَبِيٌّ،
وَنَكونُ مَعَه نَقتُلَكُم - يَعنُونَ الأَوسَ وَالخَزْرَجَ -، ويَصِفُونَ هذَا
النّبيَّ بصِفَاتِه لِلأَوسِ والخَزرَجِ، وَيَتَوعَّدُون، وَلِهَذا قَالَ تَعَالَى:
﴿وَكَانُواْ مِن
قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾
[البقرة: 89]، كَانَ اليَهُودُ يَستَفتِحُونَ عَلَى الأَوسِ والخَزرَجِ
المُشرِكِين؛ أنَّنَا سَنتَّبِعُ هَذَا الرَّسُولَ، ونَقتُلُكم، فَوَقَع ذَلِك فِي
أَنفُسِ الأَوسِ وَالخَزْرَجِ.
فَلمَّا جَاؤُوا لِلحَجّ عَلَى العَادةِ، وَكَانَ العَربُ يَنزِلُون مَنَازلَ فِي مِنَى، وَكلُّ قَبِيلةٍ لهَا مَنزِلٌ، كَانَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأتِي إِلَى هَذِه المَنازِلِ، وَيَدعُو إِلَى الإِسلاَمِ، وَيُضَايَق صلى الله عليه وسلم؛ مِنهُم مَن يَقبلُ، وَالأَكثَرُ لاَ يَقبَلُ دَعوَتَه صلى الله عليه وسلم، لَكنْ كَانَ يَعرِضُ نَفسَه عَلَى القَبَائِلِ؛ يَطلُبُ مِنهُم أنْ يُؤوُه؛