قَولُه صلى الله عليه وسلم:
«قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ،
وَنَزَلَ يَثْرِبَ»؛ يَعنيِ: هَاجَرَ، ضَايَقَه أَهلُ مَكَّةَ، بُعِثَ صلى الله
عليه وسلم فِي مَكَّةَ، وَدَعَا إِلَى التَّوحِيدِ، وبَقِيَ فِي مَكَّةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ سَنَةٍ بَعدَ البَعثَةِ يَدعُو النَّاسَ، يَقتَصِرُ عَلَى الدَّعوَةِ
فَقَطْ إِلَى عِبَادةِ اللهِ وَحدَه لاَ شَرِيكَ لَه، وَتَرْكِ عِبَادةِ
الأَصنَامِ.
ولَم
يُؤمَرْ بِالجِهَادِ، وَلَم يَنزِلْ عَلَيه الفَرائِضُ، إنَّما كَانَ يَدعُو إِلَى
التَّوحِيدِ فَقَطْ، فآمَنَ بِه مَن آمَنَ مِن السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِن
المُهَاجِرِين، وضَايَقَهُم أَهلُ مكَّةَ؛ الّذِي لَيسَ لَهُ قَبِيلَة يُعذِّبُونَه،
ويَقتُلُونَه، ويُضَايِقُونَه، وَالَّذِي لَه قَبِيلَةٌ تَحمِيهِ قَبِيلَتُه.
عِندَ
ذَلِك أَذِنَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأَِصحَابِه بِالهِجرَةِ الأُولَى إِلَى
الحَبَشَةِ عِندَ النَّجَاشِيّ، كَان مَلِكًا مِن مُلُوكِ النَّصَارَى علَى دِينِ
النَّصرَانِيةِ، لَكِنّه رَجلٌ عَادِلٌ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ» ([1]).
فَأَمَرَهم
بِالهِجرَةِ إِلَيهِ -إِلَى الحَبَشَةِ-، فَاستَقبَلَهُم النَّجَاشِيّ،
وَأَكرَمَهم، وَحَمَاهُم، وَآمنَ بِه صلى الله عليه وسلم، وَأَسلَمَ، لَمَّا
سَمِعَ القُرآنَ، وَسَأَلَهم عَن هَذَا الرَّسُولِ، وَمَاذَا يَأمُرُ بِه،
وَمَاذَا يَنهَى عَنهُ، تَيَقَّن أنَّه الرَّسُولُ؛ لأِنَّه مِن عُلَمَاءِ أَهلِ
الكِتَابِ، وَأَهلُ الكِتَابِ يَعرِفُونَ بِعثَةَ هَذَا الرَّسُولِ صلى الله عليه
وسلم، يَعرِفُونَ صِفَاتِه: ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ
كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ﴾
[البقرة: 146]، فَآمَنَ النَّجَاشِيُّ رحمه الله.
ثمَّ قِيلَ لَهُم: إنَّ أَهلَ مَكَّةَ قَد أَسلَمُوا، جَاءَهم خَبَرٌ أَنَّ أَهلَ مَكَّةَ قَد أَسلَمُوا، فَعَادُوا؛ لأِنَّهم يُحِبُّونَ وَطَنَهم، فَعَادُوا إِلَى مَكَّةَ.
([1]) أخرجه: البيهقي رقم (17734).