قَولُه صلى الله عليه وسلم:
«حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ
بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ
الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ»، كَانُوا يَركبُونَ السُّفُنَ
الشِّرَاعِيّةِ؛ لَم تَكُنْ مَوجُودةَ البَوَاخِر والسُّفُنِ الحَدِيثةِ، إنَّمَا
كَانُوا يَركَبُون سُفُنًا شِرَاعِيّةً تَسِيرُ بِالهَوَاءِ، تَسِيرُ تَبَعًا لِلهوَاءِ
أَينَمَا تَوجَّهَت بِها الرَّيَاحُ، فإِذَا تَوقَّف الهَوَاءُ، تَوَقَّفت
السَّفِينةُ.
كَانُوا
ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِن لَخمٍ وَجُذَام؛ يَعنِي: قَبِيلَتَين.
قَولُه
صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ،
فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ»، المَوجُ اضْطَرَب بِهِم، العَادةُ
أنَّ الأَموَاجَ تَضْطَرِبُ، أَحيَانًا يَهلَكُون، وَأَحيَانًا يَنجُونَ، هَذَا
شَيءٌ مَعرُوفٌ مِن حَالَةِ البَحرِ: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن
تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ﴾ [الإسراء: 67].
كَانُوا
فِي الجَاهِلِيّةِ يَدعُون الأَصنَامَ وَالأَحجَارَ والأَشجَارَ فِي حَالَةِ
الرَّخَاءِ، أمَّا إِذَا اشتَدَّ بِهِم الأَمرُ، وَجَاءَهم المَوجُ مِن كُلِّ
مَكَانٍ: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ
حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ﴾ [يونس: 22] فَرِحُوا بِذَلِك؛ فَالرِّيحُ الطَّيّبَةُ
تُوَافِقُ سَيرَ السَّفِينَةِ، وتَحصُلُ السَّلاَمَةُ.
لكِنْ
لمَّا تَغَيّرت الرِّيَاحُ؛ ﴿ جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ﴾
[يونس: 22]: الرِّيحُ الطَّيّبَةُ جَاءَتْها رِيحٌ عَاصِفٌ، ﴿وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ﴾ [يونس: 22]؛ مِنهُ الرِّيحُ، ﴿مِن كُلِّ مَكَانٖ﴾
[يونس: 22]: أَحَاطَت بِهِم الأَموَاجُ، وَقَعُوا فِي خَطرٍ شدِيدٍ مِن كلِّ
مَكَانٍ.