×
شرح كتاب الفتن والحوداث

وهذَا فِيهِ أنَّ الإِنسَانَ يَتَمسَّكُ بِدِينِهِ عِندَ الفِتَنِ، ويَلجَأُ إلَى الأعمَالِ الصَّالحَةِ، ويشتَغِلُ بِعِبادَةِ ربِّه، ولاَ تَصرِفُه الفِتنُ عَن ذَلِك.

قَلِيلٌ مَن يَثبُتُ عِندَ الفِتنِ، إلاَّ مَن ثَبّتَه اللهُ، وتَمَسَّكَ بِالأعْمَالِ الصَّالحَةِ.

قولُه صلى الله عليه وسلم: «فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ»؛ يَعنِي: عَظِيمَة -والعِيَاذُ بِاللهِ-، فِتَنٌ مُظلِمَة، لاَ يَهتَدِي الإنسَانُ فِيهَا إلَى الطَّريقِ الصَّحيحِ؛ لأنَّها مُلتَبِسَة، إلاَّ مَن أعطَاهُ اللهُ عِلمًا وَفِقْهًا وعمَلاً صَالِحًا، يَنجُو بِه مِن هَذِه الفِتَنِ.

هذِه الفتَنُ إذَا جَاءَت، فَإِنَّ النَّاسَ يَختَلِفُون فِيهَا؛ فَمِنهُم مَن يَثبُت علَى دِينِه مَع مَا ينَالُه مِن المَشَقَّةِ، ومِنْهُم مَن يَنحَرِفُ، وَهُم كَثِيرٌ.

قولُه صلى الله عليه وسلم: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا»؛ يُصبِحُ مُؤمِنًا - عَلَى الإِيمَانِ -، ثمَّ يَنحَرِفُ فِي آخِرِ النَّهارِ يُمْسِي كَافِرًا، والعَكسُ: يُمْسِي مُؤمِنًا، وَيُصبِحُ كَافِرًا، مَا السَّببُ؟ «يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»، فهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ مِن الفِتنِ الدُّنيَا - يَعنِي: زَهْرَةُ الدُّنيَا، وزِينَةُ الدُّنيَا، والأَمْوَال -، فهَذَا مِن الفتَنِ، وقدْ يَأخُذُ الإِنسَان الطمَعُ وحبُّ الدُّنيَا، ويتْرُك دِينَه مِن أَجلِ ذَلِك، واللهُ حذَّرَنا مِن الدُّنيَا وَزِينَتِها والاغتِرَارِ بِهَا، وإنَّما نَأخذُ مِنْهَا قَدْرَ مَا يُعِينُنا علَى طَاعةِ اللهِ عز وجل، أمَّا أنْ نَنْطَلِقَ مَعَ الدُّنيَا، وَنَنْسَى الآخِرَةَ، فهَذَا هُو الهَلاَكُ.

اعْمَل لِدُنْيَاكَ، وَاعْمَلْ لآِخرَتِك؛ لاَ تَنْهَمِك مَع الدّنيَا، وتَتْرُك الآخِرَةَ، ولاَ تَنْهَمِكُ مَعَ الآخِرةِ، وَتتْرُك الدّنيَا، بَلْ خُذْ مِن هذَا وَمِنْ هَذَا.


الشرح