×

﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ [آل عمران: 159].

فالنَّصِيحَة للحُكَّام تَكونُ بالطُّرقِ الكَفيلَةِ بِوصولِهَا إلَيهِم مِن غَير أنْ يُصاحِبَها تَشهيرٌ أو يُصاحِبَها اسْتِنفَارٌ لِعقول النَّاس السُّذَّج والدَّهماءِ مِن النَّاس، والنَّصيحَةُ تَكون سِرًّا بَين النَّاصحِ وَبين وَليِّ الأمْر: إمَّا بِالمشافَهةِ، وَإمَّا بِالكتابَة لَهُ، وَإمَّا أَن يتَّصلَ بِه ويبيِّن لَه هَذه الأُمورُ، وَيكونُ ذَلك بِالرِّفقِ، وَيكون ذَلكَ بِالأدَبِ المَطلوبِ.

أمَّا النَّصيحةُ لِولاةِ الأُمورِ عَلى المَنابِر وَفي المُحاضَراتِ العَامَّة؛ فَهذهِ لَيستْ بِالنَّصيحَة، هَذا تَشهيرٌ، وَهذا زَرعٌ للفِتنَة وَالعَداوَة بَين الحُكَّام وَشعُوبِها، وَهَذا يَترتَّبُ عَليهِ أضْرارٌ كَبيرَةٌ، قَد يتسلَّط الوُلاةُ عَلى أهْلِ العِلمِ وعلَى الدُّعاةِ بِسببِ هَذه الأفْعالِ؛ فَهذه تُفرِزُ مِن الشُّرُور وَمنَ المَحاذِير أَكثرَ مِمَّا يُظَنُّ فيهَا مِن الخَيرِ.

فَلو رَأيتَ عَلى شَخصٍ عَاديٍّ مُلاحَظةً، أَو وَقع فِي مُخالَفةٍ، ثُمَّ قُلتَ عَلى المَلأ: فُلانٌ عَملَ كَذا وَكذَا! لاعتُبِرَ هَذا مِن الفَضيحَةِ وَليسَ مِن النَّصيحَة، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ» ([1]).

وكَان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أرَاد أَن يُنبِّهَ عَلى شَيءٍ؛ لاَ يَخصُّ قَومًا بِأعيَانِهم، بَل يَقُول: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا» ([2])؛ لأنَّ التَّصريحَ بالأسْماءِ يُفسدُ أكثَر مِمَّا يُصلحُ، بَل ربَّما لا يَكونُ فِيه صَلاحٌ، بَل فِيه مُضاعَفةُ سيِّئةٍ عَلى الفَردِ وَعَلى الجمَاعَةِ.


الشرح

([1])  أخرجه مسلم رقم (2699).

([2])  أخرجه البخاري رقم (2168)، ومسلم رقم (1504).