طَريق النَّصيحَة مَعروفٌ، وَأهلُ النَّصيحَة الذِين
يَقومونَ بِها لاَ بُدَّ أَن يَكونوا عَلى مُستَوًى مِن العِلمِ وَالمعرِفَة
وَالإدرَاك والمُقارَنةِ بَين المِضمَارِ وَالمَصالِح والنَّظَر فِي العَواقِب.
ربَّما يَكونُ إِنكارُ المُنكَر مُنكَرًا، كَما قالَ
ذَلك شَيخُ الإسْلامِ رحمه الله، وَذلِك إذَا أنْكر المُنكرَ بِطريقَة غَير
شرعيَّةٍ، فَإنَّ الإنكارَ نَفسَه يَكونُ مُنكَرًا؛ لِمَا يُولِّدُ مِن الفَسادِ،
وَكَذلكَ النَّصِيحَة رُبَّما نُسمِّيهَا فَضيحَة وَلا نُسمِّيهَا نَصيحَة، نُسمِّيها
تَشهِيرًا، نُسمِّيهَا إثَارَة، ونُسمِّيها زِيادَة شرٍّ وَفتنَةٍ، إِذا جَاءت
بِغيرِ الطَّريقِ الشَّرعيِّ المَأمور بِهِ.
السؤال: كَيفَ تَكونُ المُناصَحَة
الشَّرعِيةُ لِولاةِ الأمُورِ؟
الجواب: مُناصَحةُ وُلاةِ
الأُمورِ تَكون بِأمورٍ مِنهَا: الدُّعاءُ لَهم بِالصلاحِ والاسْتقَامَة؛
لأنَّه مِن السُّنَّة الدُّعاءُ لِولاةِ أمُورِ المُسلمِين، وَلاسيَّمَا فِي
أوقَات الإجَابةِ وفِي الأمْكنَة التِي يُرجَى فِيها إجَابةُ الدُّعاءِ، قال
الفُضيلُ بْنُ عِياض: «لَو كانَت لِي
دَعوةٌ مُستجَابةٌ لَدعوتُ بِها للسُّلطَانِ»؛ إذ فِي صَلاحِ السُّلطَان
صَلاحٌ لِلمجتَمعِ، وَفي فَسادِ السُّلطانِ فَسادٌ لِلمجتَمَع.
وَمِنَ النَّصيحَة لِولاةِ الأُمورِ: القِيامُ بِالأعْمالِ التِي يُسنِدونَها لِلموظَّفِين. وَمن النَّصيحَة لَهم تَنبيهُهُمْ عَلى الأخْطاءِ وَالمنكَرَاتِ التِي تَحصلُ فِي المُجتَمعِ - وَقد لاَ يعْلمُون عَنهَا - وَلكنْ يَكونُ هَذا بِطريقَةٍ سِريَّةٍ فِيما بَين النَّاصِح وَبينَهُم، لاَ النَّصِيحَة التِي يُجهَر بِها أَمامَ النَّاس، أَو عَلى المَنابِر؛ لأَنَّ هذِهِ الطَّريقَة تُثيرُ الشَّرَّ وَتُحدِثُ العَدَاوةَ بَين وُلاةِ الأُمورِ وَبينَ الرَّعيَّةِ، لَيستِ النَّصيحَةُ أَنَّ الإِنسَان يَتكلمُ فِي أخْطاء وُلاة الأُمورِ عَلى مِنبَرٍ، أَو على كُرسِيٍّ أَمامَ النَّاس، هَذا لا يَخدمُ المَصلحَةَ، وِإنمَا يَزيدُ الشَّرَّ شَرًّا.