وربَّما يُقصَدُ خِلافُ ذَلكَ؛ كَالانْحرافِ بِالشَّبابِ
وَتنفِيرِهمْ عَن مُجتَمعِهِم وَعَن وُلاةِ أُمورِهم وَعَن عُلمائِهِم، فَيأتِيهِم
بِطريقِ النَّصيحَةِ وَبطريقِ الدَّعْوةِ فِي الظَّاهر؛ كَحالِ المُنافِقِين فِي
هَذهِ الأُمَّة، الذِين يُريدون للنَّاس الشَّرَّ فِي صُورَة الخيرِ.
أضْرِب لِذلِك مَثلاً بِأصْحاب مَسجِدِ الضِّرارِ؛
بَنَوا مَسجدًا، فِي الصُّورة والظَّاهِر أنَّه عَمَلٌ صَالِحٌ، وَطَلَبوا مِنَ
النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنْ يُصلِّيَ فِيه مِن أَجلِ أَن يُرغِّبَ النَّاس
بِهِ وَيُقرَّهُ، وَلَكنَّ اللهَ عَلِم مِن نيَّاتِ أصْحَابه أنَّهُم يُريدُون
بِذلكَ الإضْرارَ بِالمُسلمِين، والإضْرارَ بمَسجِد قُباء، أوَّل مَسجدٍ أُسِّسَ
عَلى التَّقوى، ويُريدونَ أَن يفرِّقوا جَمَاعة المُسلِمينَ.
فَبيَّن اللهُ لِرسُوله مَكيدَة هَؤلاءِ، وَأنزَلَ
قَولَه تَعَالى ﴿وَٱلَّذِينَ
ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ
إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ
١٠٧ لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ
مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن
يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ ١٠٨﴾
[التوبة: 107- 108].
يَتبيَّن لَنا مِن هَذهِ القِصَّة العَظيمَة أَنَّ مَا
كُلُّ مَن تَظاهَر بِالخيرِ وَالعمَل الصَّالِح يَكونُ صَادقًا فِيمَا يَفعَلُ،
فَرُبَّمَا يَقصِدُ مِن وَراءِ ذَلكَ أُمورًا بِعكسِ ما يُظهِرُ.
فَالذينَ ينتَسِبُون إلَى الدَّعْوةِ اليَومَ فِيهم مُضلِّلونَ يُريدُون الانْحرَافَ بِالشَّبابِ وَصرْف النَّاس عَن الدِّين الحقِّ، وَتفرِيق جَماعة المُسلِمِين وَالإيقَاع في الفِتنَة، وَاللهُ سبحانه وتعالى حَذَّرنا من هؤلاء، فَقَالَ عز وجل: ﴿لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [التوبة: 47]. فليْسَتِ العِبرَةُ بِالانتِسَاب أو فِيما يَظهَرُ، بَل العِبرَة بِالحَقائق وَبعوَاقب الأُمورِ.