وَمَا كَثُرَ الضَّلالُ ولا انْتَشَرَتِ البِدَع
إِلاَّ بِقِلَّةِ الدُّعاة إلى الله عز وجل وَغَفْلَةِ المصلحين، فإذا قلَّ
الدُّعاةُ، أو فُقِدُوا، حَصَلَتِ الكارثةُ للبشريَّة؛ قَالَ تَعالَى: ﴿فَلَوۡلَا
كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ
فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ
ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ﴾
[هود: 116] يَقُولُ اللهُ سبحانه وتعالى لَمَّا ذَكَرَ هلاك الأمم السَّابقة في
سورة هود: ﴿فَلَوۡلَا﴾ [هود: 116]؛ أي: هَلاَّ، وَهِيَ كَلِمَةُ حَثٍّ ﴿كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ
مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ﴾
[هود: 116] لَوْ كَانَ هناك دُعاةٌ يأمرون بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عن المنكر، ما
حَصَلَ هذا الهَلاكُ لهذه الأمَّة: ﴿وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ﴾ [هود: 116] أَيِ: اتَّبَعوا شَهَوَاتِهِمْ
وَمَلَذَّاتِهِمْ المحرَّمَةَ، فَيَحْصُلُ هذا الهَلاكُ، وهذا الدَّمَارُ الَّذِي
حَلَّ بِالأُمَمِ، فَدَلَّ على أنَّ فُقْدَانَ الدُّعاةِ والآمِرِينَ
وَالنَّاهِينَ في المجتمع يَؤُولُ بِهِ إلى الهَلاَكِ - والعيَاذُ بالله - كما
حَصَلَ للأمم السَّابقة.
فَوُجُودُ
الدُّعاةِ في المجتمع وَوُجُودُ الآمِرِينَ بالمعروف والنَّاهِينَ عن المُنْكَرِ
ضَمَانَةٌ له مِنَ الهَلاَكِ؛ لأنَّهم يَقُومُونَ بالوَاجِبِ، وَيَهْدِي الله على
أيديهم مَنْ يشاء من عباده؛ فَمَا دَامَ الخَيْرُ موجودًا في النَّاس فإنَّهم على
سبيل نَجَاةٍ، وإذا فَقَدُوا الخَيْرَ فإنَّهم يَكُونُونَ على شَفِيرِ هَلاَكٍ،
ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بالله.
إذًا
فالدَّعوةُ إلى الله لَهَا ثِمَارٌ عظِيمَةٌ على الدُّعاةِ أَوَّلاً، وعلى
المدعوِّين ثانيًا، وعلى المجتمعات ثالثًا.