×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا [الأحزاب: 72] أَمَانَةٌ عظِيمَةٌ، وَأَعظَمُ الأمانات أَمَانَةُ العلم الَّذي أنزله الله سبحانه وتعالى لإخراج النَّاس من الظُّلُمَاتِ إلى النُّور، وهذا العلم لا يَقُومُ هو بِنَفْسِهِ، إنَّما يقوم العلْمُ بِرِجَالِهِ وَبِحَمَلَتِهِ، فأنتم تحمَّلتم أَمَانَةً عظِيمَةً تُؤْجَرُونَ علَيْهَا عظِيمَ الأَجْرِ إذا أَنْتُمْ قُمْتُمْ بما تستطيعون منها، أو تكون المسئوليَّةُ - إذا قَصَّرْتُمْ - أَمَامَ الله عظِيمَةً.

فَطَالِبُ العلْمِ يَجِبُ علَيْهِ أوَّلاً: أَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لله عز وجل بأن يكون هَدَفُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ طَلَبِ العلْمِ وَجْهَ اللهِ سبحانه وتعالى وَطَلَبَ الأَجْرِ والثَّواب؛ لأنَّ هذا العلْمَ هُوَ مِيرَاثُ الأنبياء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَْنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَْنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ([1]).

فَأَنْتُمْ تُهَيِّئُونَ أَنْفُسَكُمْ لِوِرَاثَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أُمَّتِهِ، وَحَمْلِ مَا جَاءَ به صلى الله عليه وسلم وتبليغه للنَّاس﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا [الأحزاب: 39].

فأوَّلاً: علينا جميعا إخلاص النِّيَّة لله عز وجل، وأن يكون قَصْدُنَا وَهَدَفُنَا رضا الله عز وجل وامتثال ما أُمِرْنَا به، حيث يقول جل وعلا: ﴿وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ [التوبة: 122] فهذا حَثٌّ من الله عز وجل لعباده أن تَنْفِرَ طائفة ممَّن فيهم الأهليَّة والكَفَاءَةُ، يَنْفِرُونَ لِطَلَبِ العلم يتفقَّهون في دين الله عز وجل ثمَّ لا يَقْتَصِرُ الأَمْرُ على أنَّهم يتفقَّهون في أنفسهم، بل لا بُدَّ أن يفقِّهوا غيرهم؛ ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (3641)، وابن ماجه رقم (223)، وأحمد رقم (21715).