لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]، فليس القَصْدُ أنَّ الإنسان يتفقَّه في
نَفْسِهِ فقط، بل لابدَّ مع ذلك أن يُفَقِّهَ غَيْرَهُ.
فَالعلْمُ
مُشْتَرَكٌ بين الأمَّة، لا يَخْتَزِنُهُ أَحَدٌ لنفسه، أو يحفظه لنفسه فقط،
وإنَّما يبلِّغه للمحتاجين إليه، فإذا كان احْتِكَارُ الطَّعام والنَّاسُ في حاجة
إليه مَعصِيَةً عظِيمَةً ومتوعد، فكيف باحتكار العلم الَّذي النَّاس في حاجة
إليه؟! ﴿وَلِيُنذِرُواْ
قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ﴾
[التوبة: 122]، ﴿لَّا
خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ
مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ
مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا﴾
[النساء: 114] ثمَّ نلاحظ أنَّ التَّفَقُّهَ في الدِّين سَابِقٌ للإنذار؛ ممَّا
يَدُلُّ على أنَّه يَجِبُ على الدَّاعية إلى الله والآمر بالمعروف والنَّاهي عن
المنكر والقائم بوظائف الدِّين أن يتفقَّه أوَّلاً في الدِّين.
فالتَّفَقُّهُ
في الدِّين سَابِقٌ لِلإِنْذَارِ، أمَّا مَنْ بَاشَرَ الفتوى أو بَاشَرَ الأمور
العلميَّة قَبْلَ أن يتفقَّه في دِينِ الله، فإنَّه يُخِلُّ بهذا الأمر،
وَيُفْسِدُ أَكْثَرَ ممَّا يُصْلِحُ، وقد جاء في الأثر: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» ([1]).
ثانيًا:
البُعدُ عن الفُرْقَةِ والاختلاف:
ثمَّ علينا جميعا - لا سِيَّمَا ونحن نمثِّل طلبة العلم ونمثِّل العلماء - يَجِبُ علينا أن نقوم بالإصلاح بين النَّاس، وذلك بتأليف القلوب، وجمع الكلمة، وإزالة الأحقاد بين المسلمين، فالله جل وعلا يقول: ﴿لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ
([1]) أخرجه: البخاري (1/ 25) تعليقا.