أمَّا الَّذي يتكلَّم مع النَّاس، وهو مُضَيِّع
لِنَفْسِهِ، فإنَّه كما قِيلَ كالسِّرَاجِ يَحْرِقُ نَفْسَهُ ويُضِيءُ لِغَيْرِهِ،
وأنت أَوْلَى بالنَّصيحة، وأنت أَوْلَى بالعمل، وأنت أَوْلَى بالانتفاع بِعلْمِكَ
مِنْ غَيْرِكَ. فهذا جَانِبٌ مُهِمٌّ؛ وهو أن يَكُونَ طَالِبُ العلْمِ قُدْوَةً
صَالِحَةً في نَفْسِهِ قَبْلَ أن يتكلَّم مع النَّاس وَيَبْدَأَ بِأَهْلِهِ؛ قال
تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ
وَٱلۡحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6] فابدأ
بِأَهْلِكَ؛ ﴿وَأَنذِرۡ
عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ﴾
[الشعراء: 214].
فهذه
هي الطَّريقة الصَّحيحة للإصلاح.
·
أطباء
الأرواح والقلوب:
وإذا
كان الأَطِبَّاءُ في المستشفيات يُعالِجُونَ الأجسام، ويعالجون الأمراض
الحِسِّيَّةَ، فأنتم أطبَّاء القلوب؛ تعالجون مِنْ أَمْرَاضِهَا بالشِّفاء الذي
أنزله الله: ﴿وَنُنَزِّلُ
مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82]، وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ
مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [يونس: 57] وقال تعالى: ﴿قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ﴾ [فصلت: 44] فأنتم أطبَّاء القلوب وأطبَّاء الأرواح،
وَمَرَضُ القَلْبِ وَمَرَضُ الأَرْوَاحِ أَشَدُّ مِنْ مَرَضِ الأجسام. إذن طبيب
القلب يكون أهمَّ من طبيب الأبدان، فلا شكَّ أنَّكم - والحمد لله - قد اخترتم
لأنفسكم المكانة اللاَّئقة، وانتسبتم إلى أشرف تخصص، فحقِّقوا هذا الانتساب، وهذا
الاختيار، حقِّقوه بالعمل حتَّى تَحْصُلُوا على النَّتيجة المطلوبة.
واعلموا
أنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ، كُلُّ النَّاس ينظرون إلى أفعالكم وإلى
تصرُّفاتكم وإلى عبادتكم وإلى محافظتكم على صلواتكم وإلى