حضوركم في المساجد، والنَّاس ينظرون إليكم أكثر
من غيركم؛ لأنَّكم طَلَبَةُ علْمٍ، وأنتم قُدْوَةٌ، يقول الشَّاعر:
قَدْ هَيَّئُوكَ لأَِمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ **** فَارْبَأْ
بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعىَ مَع الهَمَلِ
رابعا:
علَيْكُمْ بحفظ الوَقْتِ؛ فإنَّ المُغْرِيَاتِ اليَوْمَ والشَّوَاغِلَ
كثيرة، والصَّوَارِفَ - كما تعلمون - كَثِيرَةٌ ممَّا جَلَبَتْهُ المدنيَّةُ
الحديثة، فعليكم أن تحذروا من هذه الشَّواغل، وأن تُقْبِلُوا على ما اخْتَرْتُمْ الانتماء
إليه؛ أن تُقْبِلُوا على طَلَبِ العلم، وعلى حِفْظِ الوقت، وفي الحكمة يَقُولُونَ:
«الوَقْتُ كالسَّيف إن لم تقطعه قَطَعكَ».
ولا
شَكَّ أَنَّ حِفْظَ الوقت عليه مَدَارٌ كَبِيرٌ، فاحفظوا أوقاتكم وأنفقوها فيما
هيَّأتم أَنْفُسَكُمْ له؛ فإنَّ طَالِبَ العلم إذا مرَّت عليه ساعة أو فَتْرَةٌ
غَفَلَ فيها عن طَلَبِ العلم، سَتَبْقَى هذه السَّاعةُ أو هذه الفَتْرَةُ أو هذا
اليوم أو هذا الأُسْبُوع، سَيَبْقَى ثلمة في مَعلُومَاتِهِ يتحسَّسُها فيما بَعدُ.
بينما
مَنْ حَفِظَ وَقْتَهُ، ولم يُضَيِّع شيئًا منه، فإنَّ مَعلُومَاتِهِ سَتَكُونُ
مُتَوَاكِبَةً، ولا يَفُوتُ عليه شَيْءٌ، وفي الحكمة يَقُولُون: «لا تُؤَخِّرْ عمَلَ اليَوْمِ إلى الغَدِ»؛
فتعجز عن عمَلِ يَوْمَيْنِ في يَوْمٍ وَاحِدٍ.
هذا
ما أحببت أن أقوله، وإن كُنْتُ أَعلَمُ أنَّكم - والحمد لله - أَحْرَصُ على
أنفسكم، وعلى تخصُّصكم، وأنتم أدرى منِّي أيضًا بهذه الأمور؛ لأنَّ مَنْ زَاوَلَ
الشَّيْءَ أدرى به ممَّن هو بعيد عنه، وأنتم أدرى بأموركم وَأَحْرَصُ على أوقاتكم،
ولكن مِنْ باب التَّذكير، والذِّكرى تنفع المؤمنين، وصلِّ الله وسلَّم على نبيِّنا
محمَّد، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين.