والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حينما حَذَّرَ
مِنَ الاختلاف، توعد المتفرِّقين بالنَّار، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى
وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ
فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُْمَّةُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً،
كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً». قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ
مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» ([1]).
فَلا
يَنْجُو مِنَ النَّارِ إِلاَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا كَانَ علَيْهِ الرَّسول صلى
الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فإنَّه مُتَوَعدٌ
بالنَّار؛ إمَّا لِكُفْرِهِ إن كانت فُرْقَتُهُ تَقْتَضِي الكفر، وإمَّا
لِضَلالِهِ إِنْ كَانَتْ فُرْقَتُهُ دُونَ ذلك، فهو متوعد بالنَّار، وَمَفَاسِدُ التَّفَرُّقِ
كَثِيرَةٌ وَخَطِيرَةٌ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يجنِّبنا وإيَّاكم والمسلمين أخطارها
وأضرارها، وأن يرزقنا وإيَّاكم التَّمَسُّكَ بكتابه وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله
عليه وسلم والسَّيْرَ على منهج السَّلَفِ الصَّالح، والاجتماع مع المسلمين، وأن
يجمع كلمة المسلمين على الحَقِّ، وأن يَهْدِيَهُمْ صِرَاطَهُ المستقيم!
مِنْ
مَفَاسِدِ التَّفَرُّقِ كذلك حصول التَّفْرِقَةِ بين المسلمين بسبب اشتغال بعضهم
بِبَعضٍ في التَّجريح بالألقاب السَّيِّئَةِ، وَكُلٌّ يريد أن يَنْتَصِرَ لنفسه
مِنَ الآخَرِ، فينشغل المسلمون بأنفسهم، وهذا يكون على حساب تعلُّم العلم
النَّافع؛ فإنَّ كثيرًا مِنْ طَلَبَةِ العلم فيما يبلغنا هَمُّهُمْ وَشُغْلُهُمُ
الشَّاغِلُ هو الكلام في النَّاس، وفي أعراض النَّاس في مجالسهم، وفي تجمُّعاتهم،
يخطِّئون هذا، ويصوِّبون هذا، ويزكُّون هذا، ويخطِّئون هذا، ويضلِّلون هذا،
ويكفِّرون هذا.
فليس لهم شُغْلٌ إِلاَّ الكلام في النَّاس، وربَّما يكون في خيرة النَّاس مِنْ وُلاةِ الأمور، ومن العلماء، أو مِنْ بَعضِهِم في بعض.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2641).