أنَّه أَخْطَأَ، فإنَّنا لا نَأْخُذُ بِخَطَئِه،
وإنَّما نرجع إلى الصَّواب، وهؤلاء الَّذين شُرِع لهم الاجتهاد هُمْ بَيْنَ
رَجُلَيْنِ: إمَّا مُصِيبٍ له أَجْرَانِ، وإمَّا مُخْطِئٍ له أَجْرٌ وَاحِدٌ،
وَالخَطَأُ مَغْفُورٌ، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ،
وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ([1]).
فهؤلاء
لهم حَقُّ الاجتهاد والبَحْثِ، وهذا هو مَجَالُ الفِقْهِ، وَمَجَالُ الأَحْكَامِ
الفِقْهِيَّةِ، وما زال العلماء يَجْتَهِدُونَ مِنْ عهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه
وسلم إلى عهْدِنَا هذا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُصِيبُ وَيُسَدَّدُ، ومنهم من يُخْطِئُ،
ولكن الاختلاف - والحمد لله - لا يوجب عدْوانًا، ولا خُصُومَاتٍ؛ لأنَّ هَدَفَ
الجميع هو الوصول إلى الحقِّ.
ولذلك
نَجِدُ فُقَهَاءَ الإسلام إِخْوَةً متحابِّين فيما بينهم، يتواصلون، ويتزاورون،
ويصلِّي بَعضُهُمْ خَلْفَ بَعضٍ، ويتزاحمون، ويترابطون، بالأنساب والصِّلات وغير
ذلك، مع أنَّهم قد يختلفون في بعض المسائل الاجتهاديَّة.
فَاخْتِلافُ التَّضَادِّ هو ما كان مِنَ النَّوْع الأَوَّلِ، وهو الاختلاف في مسائل لا مَجَالَ للاجتهاد فيها، بل هي تَوْقِيفِيَّةٌ، فهذا مَبْنَاهُ على التَّسْلِيمِ، أَمَّا اخْتِلافُ التَّنَوُّع فذلك بأن يكون النَّصُّ مُحْتَمِلاً لِعدَّةِ مَعانٍ، فيأخذ كُلُّ عالِمٍ باحتمال منه قد يكون مصيبًا، وقد يكون مخطئًا، وهذا مثل قوله تعالى: ﴿وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ﴾ [البقرة: 228] يَحْتَمِلُ أنَّ المراد بالقروء: الحَيْضُ، ويحتمل أنَّ المراد بها: الأَطْهَارُ؛ لأنَّ القُرْءَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بينهما فَكُلُّ فريق مِنَ العلماء أَخَذَ بِاحْتِمَالٍ،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (7352)، ومسلم رقم (1716).