فالعقيدة لها مجالات واسعة، والاجتماع لا
يَتِمُّ ولا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بالتَّمَسُّكِ بالعقيدة الصَّحيحة؛ فالعقيدة
الصَّحيحة هي الَّتي تَجْمَع القلوب وتؤلِّف بينها.
واعتبر
هذا بالمجتمعات الجاهليَّة قَبْلَ بَعثَةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم كيف كانت
الفُرْقَةُ والتَّنَابُذُ والتَّنَاحُرُ والعدَاوَةُ، حتَّى بَيْنَ أفراد القبيلة
الواحدة، فلمَّا جاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وجاء هذا الدِّينُ مَعهُ ودخل
فيه من أراد الله له السَّعادة، اجتمعت القلوب، وَتَآلَفَتْ. ولهذا يُذَكِّرُ الله
جل وعلا بهذه النِّعمَةِ فَيَقُولُ جل وعلا: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ
أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ [آل عمران: 103] أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بالإيمان
والعقيدة الصَّحيحة، كما قَالَ تَعالَى: ﴿وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ
هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢وَأَلَّفَ بَيۡنَ
قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ
وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٣﴾ [الأنفال: 62- 63] ولا يَجْمَع القُلُوبَ ويوحِّد
الكَلِمَةَ إِلاَّ العقيدة الصَّحيحة الصَّافية المستمدَّة من كتاب الله عز وجل.
وممَّا
يَدُلُّ على الأَمْرِ بالاجتماع على هذه العقِيدَةِ والتَّآخي بموجبها قَوْلُهُ
تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ
بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾
[آل عمران: 103] فَأَمَرَ بالاجتماع على هذه العقيدة، والاعتصام بِحَبْلِ الله،
وهو القُرْآَنُ الَّذي أنزله الله سبحانه وتعالى وَمَا يَتْبَع ذلك مِنْ سُنَّةِ
رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال
تعالى: ﴿إِنَّ
هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92] الله جل وعلا يخبر ويؤكِّد أنَّ
المؤمنين أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَوَّلِهِم إلى آخِرِهِمْ، يَجْمَع بَيْنَهُمُ
الإيمانُ والعقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ، وَإِفْرَادُ الله جل وعلا بالعبادة، ويكون
المَعبُودُ وَاحِدًا، ويَكُونُ المنهج واحدًا، وهو كتاب الله وسُنَّةُ رَسُولِهِ
صلى الله عليه وسلم.