×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

بَلْ أَمَرَ أن يكون رَأْيُهُم واحدًا، وقيادتهم واحدة؛ لأنَّ ذلك أَجْمَع لِكَلِمَتِهِمْ، وَأَظْهَرُ لِقُوَّتِهِمْ، ثمَّ قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ [الأنفال: 46] رَتَّبَ الفَشَلَ على وجود التَّنَازُع، فَدَلَّ على أنَّ اجتماع الكلمة فيه نَجَاحٌ للمسلمين، وأنَّ افتراق الكلمة فيه فَشَلٌ؛ ﴿وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ [الأنفال: 46] والرِّيحُ هي القوَّة؛ وذلك بضعف المسلمين أَمَامَ عدُوِّهم الَّذي يتربَّص بهم الدَّوائر، فإذا سَنَحَتْ له فرصة انْقَضَّ عليهم.

وَخَيْرُ مِثَالٍ لذلك ما حصل للمسلمين في وَقْعةِ أُحُدٍ؛ لمَّا كانوا مستمرين على خطَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لهم نَصَرَهُمُ اللهُ عز وجل فَلَمَّا حَصَلَ مِنْ بَعضِهِمْ إِخْلالٌ بالتزام هذه الخطَّة، انْقَضَّ العدُوُّ عليهم؛ عقُوبَةً من الله سبحانه وتعالى وَتَرْبِيَةً من الله لهم ولغيرهم مِنْ أَجْيَالِ الأُمَّةِ.

وَهَذَا سَبَبُهُ النِّزَاع، وَسَبَبُهُ الإخلال بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وَهُمْ خَيْرُ القُرُونِ، فما بَالُكَ بِغَيْرِهِمْ؟

وَمِنْ آَثَارِ التَّفَرُّقِ بين المسلمين السَّيِّئَة أنَّهم يَضِلُّون عن الصِّراط المستقيم، وهذا ما تتضمَّنه الآية؛ وهي قَوْلُ الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ [الأنعام: 153] فالتَّفْرِيقُ يُسَبِّبُ الضَّلالَ عنْ صِرَاطِ الله عز وجل وإذا ضَلَّ المسلم عن صراط الله، وَقَع في الهَلاكِ، إمَّا أن يكون في صراط المغضوب عليهم، أو الضَّالِّين، وفي الحَدِيثِ في وَصْفِ دُعاةِ الضَّلال في آخر الزمان: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» ([1]). هذا بِسَبَبِ التَّفْرِيقِ.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3606)، ومسلم رقم (1847).