فالإنسان إذا بَذَلَ جُهْدَهُ وَأَدَّى وُسْعهُ،
فَإِنْ أَصَابَ الهَدَفَ، فَالحَمْدُ لله، وَإِنْ قَارَبَ، ولم يَسْتَطِع الإصابة،
لكنَّه اجْتَهَدَ في طلب الإصابة، فإنَّه مَعذُورٌ وَمَأْجُورٌ، ولا يَلْجَأُ إلى
التَّشْدِيدِ والغُلُوِّ، أو يلجأ إلى التَّساهُلِ والكَسَلِ؛ فَهَذَا هو المَلُومُ.
أمَّا
مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ وَحَرِصَ علَى إِصَابَةِ السُّنَّةِ وَإِصَابَةِ الحَقِّ
ولكنَّه لم يُوَفَّقْ لِذَلِكَ وَحَصَلَ شَيْءٌ مِنَ النَّقْصِ في عمَلِهِ، فإنَّ
الله سبحانه وتعالى لا يُؤَاخِذُهُ على مَا أَخْطَأَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ،
ولكن يستعمل الاستغفار عن التَّقصير والخَلَل.
ولهذا
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كَثِيرَ الاستغفار، كَثِيرَ التَّوبة، مَع
أَنَّهُ رَسُولُ الله، وَأَتْقَى الخَلْقِ للهِ عز وجل وَأَعظَمُ الخَلْقِ
عبَادَةً لله، وَكَانَ يُكْثِرُ مِنْ الاِسْتِغْفَارِ؛ لأنَّ الإِنْسَانَ بَشَرٌ،
وَمَهْمَا عمِلَ فإنَّه لا يؤدِّي حَقَّ الله كاملاً.
ولكن
الاستغفار فيه جَبْرٌ لِمَا يَحْصُلُ مِنَ النَّقْصِ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا
صَلَّى بأصحابه الفَرِيضَةَ وَفَرَغَ مِنْهَا وَسَلَّمَ من الصَّلاة، يَسْتَغْفِرُ
اللهَ ثَلاثًا، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلى القِبْلَةِ قَبْلَ أن يَنْصَرِفَ لأصحابه.
ممَّا يَدُلُّ على أنَّ الاستغفار مَطْلُوبٌ، وَأَنَّ الإِنْسَانَ لا يُزَكِّي
نَفْسَهُ، وَلَكِنْ دَائِمًا يُحَمِّلُ نَفْسَهُ التَّقصير في حَقِّ الله عز وجل
وَأَنَّ حَقَّ الله عليه عظيم.
وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بعَمَلِهِ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» ([1]).