وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ
عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة: 112] فَقَوْلُهُ تَعالَى: ﴿أَسۡلَمَ
وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ﴾ [البقرة:
112] هذا هو الإخلاص، وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ مُحۡسِنٞ﴾
[البقرة: 112] أَيْ: مُتَّبِع للرَّسول صلى الله عليه وسلم.
أمَّا
مَنْ تَنَطَّع في العبادة وَشَدَّدَ علَى نَفْسِهِ، فإنَّ مَآَلَهُ إلى الفَشَلِ،
وَقَدْ جَاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ إلى بيوت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن
عبادته مِنْ أَجْلِ أن يَقْتَدُوا به، فلمَّا أُخْبِرُوا بِعبَادَةِ النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم كأنَّهم تقالُّوها، ولكنَّهم قالوا: إنَّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ:
أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي، وَلاَ أَنَامُ. وَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ
وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ الثَّالِثُ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،
فلمَّا علِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، غَضِبَ، وَخَطَبَ عليه
الصلاة والسلام وقال: «أَنْتُمُ الَّذِينَ
قُلْتٌم كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ
لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ
النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي» ([1]).
فَأَنْكَرَ
علَيْهِمْ صلى الله عليه وسلم ما هَمُّوا به مِنَ التَّشْدِيدِ على أنفسهم، وفي
قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ
إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ﴾
[فصلت: 6] إِشَارَةٌ إلى أَنَّ العبْدَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ تَقْصِيرٌ في الاستقامة؛
لِكَوْنِهِ بَشَرًا، فَيَجْبُرُهُ بالاستغفار.
والنَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَدِّدُوا،
وَقَارِبُوا» ([2])،
و «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» ([3]).
السَّداد، أو السِّداد، وهو: إصابة الهَدَفِ، والمُقَارَبَةُ: مُقَارَبَةُ الإصابة إِنْ لَمْ يُصِبِ الهَدَفَ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).