وذلك لأنَّ الإنسان عاجِزٌ عنِ القِيَامِ
بِحَقِّ الله عز وجل على الوَجْهِ التَّامِّ مَهْمَا أَتْعبَ نَفْسَهُ؛ لأنَّ
حَقَّ الله عظيم، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ» ([1]).
فَهَذَا
جَانِبٌ عظِيمٌ إِذَا اسْتَشْعرَهُ المُسْلِمُ فَإِنَّهُ دَائِمًا يَلْهَجُ بالاستغفار،
وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ
إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ﴾
[فصلت: 6] أَيْ: مَع الاستقامة استغفروا رَبَّكُمْ؛ لأنَّ الإنسان عرْضَةٌ
لِلخَطَأِ دَائِمًا، وَعرْضَةٌ للتَّقْصِيرِ.
ثالثًا:
مِنْ أَنْوَاع الاستقامة: الاستقامة في الحُكْمِ على الأشياء:
وَمِنْ
ذَلِكَ الحُكْمُ بالتَّحْلِيلِ والتَّحريم، فَلا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ
يَتَشَدَّدَ في التَّحريم حتَّى يَخْرُجَ عنِ المَشْرُوع، فَيُحَرِّمَ مَا
أَحَلَّهُ الله عز وجل وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي الحُكْمِ حتَّى
يُحِلَّ مَا حَرَّمَ الله، بل يَكُونُ مُعتَدِلاً على وَفْقِ الكتاب والسُّنَّةِ.
فَمَا
حَرَّمَهُ الله ورسوله حرَّمه المسلم، وما لم يُحَرِّمْهُ الله ورسوله فإنَّه
حَلالٌ، ولا يَجُوزُ لأَِحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَهُ، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا
تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾
[المائدة: 87] فَفِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ غُلُوٌّ وَتَشَدُّدٌ وَقَوْلٌ علَى
الله بِلا علْمٍ، وفي اسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ تَجَاوُزٌ لِحُدُودِ الله عز
وجل وَاعتِدَاءٌ علَى شَرْع الله.
فَالوَاجِبُ على المسلم الاعتِدَالُ في أَمْرِ الحلال والحرام، وأن لا يَقُولَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ﴾ [النحل: 116].
([1]) أخرجه: مسلم رقم (486).