×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعةِ تَوَسَّطُوا في هذا الأمر على هُدىً مِنَ الكتاب والسُّنَّة فقالوا: إنَّ مُرْتَكِبَ الكبيرة لا يُكَفَّرُ إذا كانت كَبِيرَتُهُ دُونَ الشِّرْكِ، ولا يَخْرُجُ من الدِّين كما تقوَّله الخوارج والمعتزلة؛ لأنَّ الله جل وعلا يَقُولُ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ [النساء: 48] توجد أدلَّة كثيرة تدلُّ على أنَّ مُرْتَكِبَ الكَبِيرَةِ دُونَ الشِّرْكِ لا يَخْرُجُ بها مِنَ الإيمَانِ، كما تقوله الخوارج والمعتزلة.

ولكنَّه يَكُونُ نَاقِصَ الإيمان؛ خِلافًا لِمَا تَقَوَّلَهُ المُرْجِئَةُ؛ فَالمَعاصِي تُنْقِصُ الإيمَانَ نَقْصًا بَيِّنًا، حتَّى قد لا يَبْقَى مِنْهُ إِلاَّ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، فلا يُعطَى اسْمُ الإيمان المُطْلَقِ، فَيُقالُ: مُؤْمِنٌ كَامِلُ الإيمان كما تَقُولُهُ المُرْجِئَةُ، ولا يُسْلَبُ مِنْهُ اسْمُ الإِيمَانِ بالكُلِّيَّةِ كَمَا تَقُولُهُ الخَوَارِجُ والمُعتَزِلَةُ.

وإنَّما يُقَالُ: هو مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ، فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ، وهو مُعرَّضٌ للوَعيدِ؛ إِنْ شَاءَ اللهُ غَفَرَ لَهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، وإن شَاءَ عذَّبَهُ، ولكن لا يُخَلَّدُ في النَّار، بَلْ يَخْرُجُ مِنَ النَّار بأمر الله سبحانه وتعالى لأنَّه لا يُخَلَّدُ في النَّار إِلاَّ الكفَّار والمشركون.

فالمؤمن العاصي نَاقِصُ الإيمان، وَإِنْ عذِّبَ في النَّارِ، فإنَّه لا يُخَلَّدُ فِيهَا، بَلْ مَآَلُهُ إلى الجَنَّةِ، هذه هي الاستقامة، وهذا هو الاعتدال الَّذي تَجْتَمِع بِهِ الأَدِلَّةُ، والَّذي يَنْبَنِي على العقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ - ولله الحمد - وهو ما علَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ والجماعة.

رابعًا: مِنْ أَنْوَاع الاستقامة: الاستقامة في الحكم على الأشخاص:

عندما تتكلَّم في شخص فعليك أن تستقيم في حَقِّهِ؛ فلا تَجُورُ علَيْهِ بِالقَوْلِ، أو بالشَّهادة؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ [الأنعام: 152]، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن


الشرح