الواجبات، فَهُمَا علَى طَرَفَيْ نَقِيضٍ،
المتشدِّد الزَّائد عن الحَدِّ، والمتساهل المُنْحَرِفُ.
ولهذا
يَقُولُ النَّاسُ: فُلانٌ مُسْتَقِيمٌ، وَفُلانٌ مُنْحَرِفٌ خَارِجٌ عن الحَدِّ
المَأْلُوفِ المَشْرُوع، إمَّا بِزِيَادَةٍ لم يَشْرَعهَا اللهُ، وإمَّا بِنَقْصٍ
عمَّا شَرَعهُ اللهُ عز وجل فَهُوَ مُنْحَرِفٌ عنْ الاستقامة، مُنْحَرِفٌ عن الاعتدال.
والشَّيطان
- لَعنَهُ اللهُ - يَشُمُّ ابْنَ آدَمَ، فإن وَجَدَ مِنْهُ رَغْبَةً في الخَيْرِ،
حَمَلَهُ على الزِّيادة وَعدَمِ الإقتناع بالحدِّ المَشْرُوع، حتَّى يُخْرِجَهُ عن
المطلوب، ويكلِّفه ما لم يُكَلِّفْهُ اللهُ به، ويصوِّر له ما شَرَعهُ الله
بِأَنَّهُ قَلِيلٌ، وَلا يَكْفِي، فلا يزال به حتَّى يزيد ويزيد ويخرج كما حصل
للخوارج.
فإنَّ
الخَوَارِجَ عنْدَهٌُمْ رَغْبَةٌ في الخَيْرِ، وعندهم محبَّة للخير، ولكنَّ
الشَّيطان جاءهم فَحَمَلَهُمْ على الغُلُوِّ؛ حَمَلَهُمْ على الزِّيادة
والتَّكَلُّفِ حتَّى مَرَقُوا مِنَ الدِّين كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّة.
وإن
وَجَدَ الشَّيطان مِنَ النَّاس حبًّا للشَّهوات، وَحُبًّا لاتِّباع أهوائهم،
فإنَّه يُزَيِّنُ لَهُمُ الشَّهَوَاتِ، وَيُزَيِّنُ لَهُمُ الكَسَلَ، ويُزَيِّنُ
لهم تَرْكَ الواجبات، وَفِعلَ المحرَّمات؛ حتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنَ الأَوَامِرِ
والنَّوَاهِي، أو حتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنْ كَثِيرٍ منها، وَيَحْمِلَهُمْ على
التَّضييع والتَّفريط. هذا هو الشَّيطان مع ابْنِ آدَمَ، إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ
عز وجل.
إمَّا
أن يَأْتِيَهُمْ مِنْ طَرِيقِ الزِّيَادَةِ والتَّشَدُّدِ والتَّزْهِيدِ فِيمَا
شَرَع اللهُ، وإمَّا أن يَأْتِيَهُمْ بِالتَّسَاهُلِ والتَّرْغِيبِ في الشَّهوات،
وَيَفْتَحَ لَهُمْ بَابَ الانْحِلالِ حتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنْ دِينِ الله؛
فَمُهِمَّتُهُ أن يُخْرِجَ بَنِي آدم مَا اسْتَطَاع عنْ طَاعةِ الله عز وجل؛ مِنْ
هُنَا، أَوْ مِنْ هُنَاكَ. هَذِهِ مُهِمَّةُ شَيَاطِينِ الإِنْسِ