×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

فينزِّهون الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين، تنزيهًا بلا تَعطِيلٍ، وَيُثْبِتُونَ لله الأَسْمَاءَ والصِّفَات، وَهُوَ الاعتِدَالُ ولله الحَمْدُ.

وكذلك في حَقِّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم وَشَهَادَةُ أَنَّهُ رَسُولُ الله لا بُدَّ مِنَ الاِسْتِقَامَةِ فِيهَا بَيْنَ الإِفْرَاطِ والتَّفريط؛ فَهُنَاكَ من جَحَدَ رِسَالَةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الكفَّار والمشركين والمَلاحِدَةِ، وَهُنَاكَ مَنْ غَلا فِي حَقِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم حتَّى جَعلَ لَهُ شَيْئًا مِنْ خَصَائِصِ الرُّبوبيَّة، وَزَعمَ أنَّه يُسْتَغَاثُ بِهِ بَعدَ مَوْتِهِ، وأنَّه يُجِيبُ الدُّعاءَ، وأنَّه يَتَصَرَّفُ في الكَوْنِ كَمَا يَعتَقِدُونَ.

هذا غُلُوٌّ في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَانِبٌ نَفَوْا رِسَالَتَهُ وكذَّبوا برسالته، وَجَانِبٌ غَلَوْا في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم والاعتدال والاستقامة مَا علَيْهِ المُسْلِمُونَ وَأَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعةِ بالخُصُوصِ: أن تَشْهَدَ أَنَّهُ عبْدُ الله وَرَسُولُه، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([1]).

فَفِي قَوْلِهِ: «قُولُوا: عَبْدُ اللهِ»: رَدٌّ علَى الغُلاةِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ تَجَاوَزُوا فِي حَقِّهِ إِلَى أَنْ جَعلُوا له شَيْئًا من خَصَائِصِ الرُّبوبيَّة، حتَّى قالوا: إنَّه ليس بَشَرًا، وَقَالُوا: إنَّه مَخْلُوقٌ من نُورٍ، وليس بشرًا، وقالوا: إنَّه مَخْلُوقٌ قَبْلَ آدَمَ. كُلُّ هَذَا مِنَ الغُلُوِّ في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم.

وقد يعتمدون على أحاديث موضوعة ويعتبرونها حُجَّةً لَهُمْ في هذا البَابِ وَضَعهَا الزَّنادقة، أو وَضَعهَا شَيَاطِينُ الإنس والجِنِّ مِنْ أَجْلِ أن يُخْرِجُوا هؤلاء وَمَنْ أَطَاعهُمْ عنْ جَادَّةِ الاعتدال، وَفِي قَوْلِهِ: «وَرَسُوله» رَدٌّ علَى الكَفَرَةِ والمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَتَهُ صلى الله عليه وسلم.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3445).