وَمَعنَى الغُلُوِّ فِي الشَّرْع:
الزِّيَادَةُ عنِ المَشْرُوع؛ فَالزِّيَادَةُ عن الحَدِّ المَشْرُوع يُسَمَّى
غُلُوًّا، والنَّقْصُ عنِ الحَدِّ المشروع يُسَمَّى تَسَاهلاً وَتَفْرِيطًا
وَإِضَاعةً، فَهُمَا علَى طَرَفَيْ نَقِيضٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي
أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ حَذَّرَ مِنَ الغُلُوِّ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ؛ فَإِنَّمَا
أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ» ([1])،
وَكَلِمَةُ «إِيَّاكُمْ» كَلِمَةُ
تَحْذِيرٍ وَتَنْبِيهٍ.
ثُمَّ
بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم الحِكْمَةَ مِنْ هَذَا التَّحذير، وَخَطَرَ الغُلُوِّ،
فقال: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ»؛ أَيْ: مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كالنَّصارَى؛
غَلُوا فِي المَسِيحِ عليه الصلاة والسلام حتَّى أَخْرَجُوهُ عنْ دَائِرَةِ
البَشَرِيَّةِ إلى دَائِرَةِ الرُّبوبيَّة.
واليَهُودُ
غَلُوا فِي العزَيْرِ حتَّى أَخْرَجُوهُ مِنْ دَائِرَةِ البَشَرِيَّةِ إلى دائرة
الرُّبوبيَّة؛ قال اللهُ جل وعلا: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى
ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ﴾
[التوبة: 30] فَكِلا الأُمَّتَيْنِ اليَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ غَلُوا فِي
البَشَرِ حتَّى رَفَعوهُم عنْ دَائِرَةِ البشريَّة إلى دائرة الرُّبوبيَّة،
فَكَفَرُوا، وَخَرَجُوا مِنْ دِينِ الله عز وجل.
كَذَلِكَ
غَلُوا في العلَمَاءِ، وَجَعلُوا كَلامَهُمْ شَرْعا يُتَّبَع، وَلَوْ كَانَ
مُخَالِفًا لِدِينِ اللهِ عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا
مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة:
31].
·
أنواع
الغلو:
والغُلُوُّ
أَنْوَاع كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:
1-
الغُلُوُّ في الأَتْبَاع، والاقْتِدَاءُ بالعلماء:
كَغُلُوِّ النَّصَارَى واليَهُودِ فِي أَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ، حَتَّى أَطَاعوهم في تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ.
([1]) أخرجه: النسائي رقم (3057)، وابن ماجه رقم (3029)، وأحمد رقم (3248).