وَكَانَ فِيهِمْ رِجَالٌ صَالِحُونَ يَقْتَدُونَ
بِهِمْ، وَيُحِبُّونَهُمْ، فَقَدَّرَ اللهُ أَنَّ هَؤُلاءِ الرِّجَالِ
الصَّالِحِينَ مَاتُوا فِي عامٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنُوا علَيْهِمْ حُزْنًا شَدِيدًا،
فَجَاءَ الشَّيْطَانُ - لَعنَهُ اللهُ - وَقَالَ لَهُمْ: صَوِّرُوا صُوَرَ
هَؤُلاءِ الصَّالِحِينَ تُذَكِّرُكُمْ بِهِمْ، فَتُنَشِّطَكُمْ علَى العبَادَةِ،
وَتَذْكُرُونَ أَحْوَالَهُمْ. فَقَامُوا وَنَفَّذُوا الفِكْرَةَ
الشَّيْطَانِيَّةَ.
فَصَوَّرُوا
صُوَرَ هَؤُلاءِ الصَّالِحِينَ، وَنَصَبُوهَا علَى مَجَالِسِهِمْ؛ مِنْ أَجْلِ أن
يتذكَّروا العبادة برؤيتهم، إلى هنا لم يَحْصُلْ شِرْكٌ؛ لأنَّ العلَمَاءَ كَانُوا
مَوْجُودِينَ، وَكَانُوا يَنْهَوْنَ عنِ الشِّرْكِ.
فَلَمَّا
مَاتَ هَذَا الجِيلُ، وَمَاتَ العلَمَاءُ، جَاءَ جِيلٌ مُتَأَخِّرٌ لَيْسَ فِيهِم
علَمَاء، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ وقال: إِنَّ آَبَاءَكُمْ مَا نَصَبُوا
هَذِهِ الصُّوَرَ إِلاَّ لِيَعبُدُوهَا. وَكَانُوا يسقون بهم المطر، فزيَّن لهم
عبَادَةَ هَذِهِ الصُّوَرِ والتَّمَاثِيلِ، فَعبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللهِ،
وَحِينَئِذٍ وَقَع الشِّرْكُ فِي الأَرْضِ.
فَبَعثَ
اللهُ نَبِيَّهُ نُوحًا عليه الصلاة والسلام أَوَّلَ رَسُولٍ إِلَى أَهْلِ
الأَرْضِ، بَعثَهُ إِلَيْهِمْ يَدْعوهُم إلى التَّوْحِيدِ، والرُّجُوع إلى
عقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، وَتَرْكِ الشِّرْكِ، وَاسْتَمَرَّ مَعهُمْ عليه الصلاة
والسلام - كَمَا ذَكَرَ اللهُ - أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عامًا يَدْعوهُم
إلى التَّوْحِيدِ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ.
وَحَصَلَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ المُدَاوَلاتِ، وَحَصَلَ مِنْهُمْ مِنَ الأَذَى علَى
نَبِيِّ اللهِ الشَّيْءُ الكَثِيرُ، كَمَا قَصَّ اللهُ ذَلِكَ فِي القُرْآَنِ؛
قَالَ تَعالَى: ﴿قَالَ
رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا ٥فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا
فِرَارٗا ٦وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ
فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا
٧ثُمَّ إِنِّي دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارٗا ٨ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ
لَهُمۡ إِسۡرَارٗا ٩فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا ١٠يُرۡسِلِ
ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا ١١وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ