×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

 الله من علم أن يفتي هذا الحائر بالحكم الصَّحيح الشَّرعيِّ، قال له: ومن يَحُولُ بينك وبين التَّوبة، ولكنَّك في أَرْضِ سُوءٍ، فاذهب إلى أرض كذا وكذا؛ فإنَّ فِيهَا أُنَاسًا صالحين يَعبُدُونَ اللهَ، فَاعبُدِ اللهَ مَعهُمْ، فَأَفْتَاهُ - أيضًا - بِأَنْ يُهَاجِرَ إلى أَرْضٍ صَالِحَةٍ، وَيَتْرُكَ البيئة الَّتي عاش فيها؛ لأنَّها بيئة غير صالحة، فخرج مهاجرًا، وفي أثناء الطَّريق أدركته الوفاة، فاختصمت فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ العذاب.

ملائكة العذاب يقولون: إنَّه لم يعمل خيرًا قَطُّ، وَمَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ يقولون: جاء تائبًا إلى الله عز وجل فَأَرْسَلَ الله مَنْ يَحْكُمُ بينهم، فقال لهم: قِيسُوا ما بين البلدتين، فقاسوا، فوجدوه أَقْرَبَ إلى الأرض الصَّالحة بِشِبْرٍ، فَقَبَضَتْهُ ملائكة الرَّحمة وَنَجَا مِنْ عذَابِ الله.

كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَذَا العالِمِ الَّذي أفتاه بعلم، فهذا يَتَجَلَّى فيه مَوْقِفُ العلَمَاءِ عنْدَ الشَّدَائِدِ والحاجات، وأنَّه إذا نزل بالناس نازلة ومشكلة فليس لها إِلاَّ أهل العلم، قال تعالى: ﴿فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ [النحل: 43].

والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَْنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَْنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ([1]).

فهذا - أيضًا - ممَّا يَدُلُّ على فَضْلِ العلماء؛ أنَّهم وَرَثَةُ الأنبياء، فَحِينَمَا يَرِثُ النَّاسُ الأَمْوَالَ وَالقُصُورَ والخَيْلَ المُسوَّمة والأنعام والحرث، فالعلماء يَرِثُون العلم الَّذي جاءت به الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، وهذا لا يُعادِلُهُ شَيْءٌ.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (3641)، وابن ماجه رقم (223)، وأحمد رقم (21715).