وَقَدْ مَرَّ أَبُو هُرَيْرَةَ بِسُوقِ
المَدِينَةِ، فَوَقَفَ وَقَالَ: يا أَهْلَ السُّوق، ما أعجزكم! قالوا: وما ذاك يا
أبا هريرة؟ قال: ذاك مِيرَاثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ
هَاهُنَا؟ ألا تَذْهَبُونَ، فَتَأْخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قالوا: وَأَيْنَ
هُوَ؟ قال: في المَسْجِدِ.
فَخَرَجُوا
سِرَاعا، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعوا فقال لهم: ما لكم؟ قالوا:
يا أبا هريرة، قد أَتَيْنَا المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فيه شيئًا
يُقْسَمُ، فَقَالَ لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد؟ قالوا: رأينا قومًا
يصلُّون، وقومًا يَقْرَءُونَ القرآن، وقومًا يتذاكرون الحَلالَ والحَرَامَ، فقال
لهم أبو هريرة: فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ([1]).
وَيَقُولُ
الرَّسول صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ
الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ
الْكَوَاكِبِ» ([2])
وفي رِوَايَةٍ: «كَفَضْلِي عَلَى
أَدْنَاكُمْ» ([3]).
وهذه
رفعة عظيمة، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ العلماء بالنُّجوم يَهْتَدِي
بها النَّاسُ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ والبَحْرِ، فإذا طُمِسَتْ النُّجومُ، أَوْشَكَ
أنَّ تضل الهداة.
فالعلَمَاءُ
فِي مَنْزِلَةِ الكواكب الَّتي يهتدي بها النَّاسُ في ظلمات البرِّ والبحر، فإذا
طُمِسَتِ الكواكب، فإنَّ المسافرين يضيعون في البر والبحر.
كذلك إذا فُقِدَ العلماء؛ فإنَّ النَّاسَ يَضِيعونَ في هذه الحياة؛ لأنَّهم لا يَجِدُونَ مَنْ يُرْشِدُهُم، ولهذا إذا قُبِضَ العلم من الأرض قامت القيامة كما في الحديث: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ،
([1]) أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (1429).