×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

فَفِي جِهَادِ الكُفَّارِ مَصَالِحُ؛ قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ [الأنفال: 60]؛ أَيْ: إِنَّ جِهَادَ الكُفَّارِ لا يَحْصُلُ بِالكَلامِ، أَوِ الدُّعاءِ علَيْهِم فَقَطْ؛ نعم، الدُّعاءُ شَيْءٌ طَيِّبٌ وَسِلاحٌ قَوِيٌّ، لكن ليس وَحْدَهُ، بل لا بُدَّ مِنْ مُبَاشَرَةِ الجِهَادِ؛ ولا يَكُونُ ذلك إِلاَّ بِعدَّةٍ والعدَّةُ سَبَبٌ للنَّصْرِ، كَمَا قَالَ تَعالَى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ [الأنفال: 60]؛ قوَّة السِّلاح، وقوَّة الذَّخيرة وقوَّة آلات الجهاد لكلِّ وَقْتٍ بِحَسَبِهِ.

ولا نقول: نحن مسلمون ومؤمنون، وهؤلاء كفَّار، وسننتصر عليهم بإيماننا. دُونَ أَنْ نَفْعلَ أَسْبَابًا؛ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ.

لا بُدَّ فِي النَّصْرِ مِنْ حُصُولِ أَسْبَابٍ، وَلا بُدَّ مِنَ ابْتِلاءٍ وامْتِحَانٍ، وَلا بُدَّ مِنْ تَضْحِيَةٍ، وَلا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَا يَدُلُّ علَى صِدْقِ الإيمَانِ؛ قَالَ تَعالَى: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣ [العنكبوت: 2- 3] هَذِهِ هِيَ حِكْمَةُ الله سبحانه وتعالى فَلا بُدَّ فِي جِهَادِ الكفَّار مِنْ أَمْرَيْنِ:

الأمر الأوَّل وهو الأساس: التَّوَكُّلُ على الله سبحانه وتعالى.

والأَمْرُ الثَّانِي: إعداد القوَّة، وإعداد الدِّفاع المُنَاسِبِ فِي كلِّ وَقْتٍ. فلا بُدَّ مِنَ الأَمْرَيْنِ.

ولهذا لمَّا حَصَلَتْ وَقْعةُ أُحُدٍ، وَحَصَلَ مَا حَصَلَ علَى المُسْلِمِينَ مِنَ الامْتِحَانِ وَالجِرَاحِ وَالقَتْلِ، وَانْصَرَفَ الكفَّار، تشاوروا فيما بينهم - أي الكفَّار - وَقَالُوا: ما صَنَعنَا شَيْئًا بمحمَّد وأصحابه الَّذين هم مثقلون بالجراح إِلاَّ أن خرجوا. وبادروا بالخُرُوجِ من المدينة، وَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ العدُوَّ وَبَعضُهُم مَثْخونٌ بالجِرَاحِ.


الشرح