فَإِنِ اعتَمَدَ علَى الأَسْبَابِ، وَكَلَهُ
اللهُ إِلَيْهَا، كَمَا فِي الحَدِيثِ: «مَنْ
تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ» ([1])؛
فَيُوكَلُ الإِنْسَانُ إِلَى الأَسْبَابِ، وَالأَسْبَابُ قَدْ تَكُونُ مُخْفِفَةً،
وَلا فَائِدَةَ مِنْهَا.
وَإِنْ
أَهْمَلَ الأَسْبَابَ وَتَوَكَّلَ علَى اللهِ بِزَعمِهِ، كَانَ مُخْطِئًا فِي
ذَلِكَ، وَغَيْرَ عامِلٍ بِمَا أَمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى فَإِنَّ اللهَ أَمَرَ
بِفِعلِ الأَسْبَابِ؛ قَالَ تَعالَى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ
وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾ [الأنفال: 60].
فالله
قَادِرٌ علَى أَنْ يَنْصُرَ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَقْتُلَ الكُفَّارَ، كَمَا
قَالَ سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوۡ
يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ﴾
[محمد: 4].
فاللهُ
قَادِرٌ علَى أَنْ يُهْلِكَ الكُفَّارِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُرِيحَ
المُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ بِحِكْمَتِهِ أَرَادَ أَوَّلاً أَنْ يَبْتَلِيَ
هَؤُلاءِ بِهَؤُلاءِ؛ لإِعلاءِ كَلِمَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَثَانِيًا: أَرَادَ
حُصُولَ الشَّهادة للمسلم في سبيله، وَثَالثًا: أَرَاد حُصُولَ الجِهَادِ مِنْ
أَوْلِيَاءِ الله، وَبَذْلَ الرُّوحِ والنَّفْسِ والمَنْهَجِ والأموال؛ طَاعةً لله
سبحانه وتعالى فَالجِهَادُ عبَادَةٌ مِنْ أَعظَمِ أَنْوَاع العبَادَةِ.
فلو
أنَّ اللهَ أَهْلَكَ الكُفَّارَ بِعذَابٍ مِنْ عنْدِهِ، تَعطَّلَتْ هَذِهِ
المَصَالِحُ، وَتَعطَّلَ الجِهَادُ، وَلَمْ تَحْصُلِ الشَّهَادَةُ لِلشُّهَدَاءِ،
وَلَمْ يَحْصُلِ الصِّدْقُ فِي الإيمَانِ بِاللهِ.
فاللهُ يَبْتَلِي المُؤْمِنِينَ هَلْ هُمْ صَادِقُونَ فِي إِيمَانِهم؟ لأنَّ الصَّادِقَ فِي إِيمَانِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَيَبْذُلُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَرَاحَتَهُ لإِعلاءِ كَلِمَةِ اللهِ، أَمَّا المُنَافِقُ الَّذي يَدَّعي الإِيمَانَ، وَهُوَ كَاذِبٌ، فَهَذَا يُحْجِمُ عنِ الجِهَادِ، وَيَتَأَخَّرُ، ويتبيَّن النِّفاق مِنَ الإيمَانِ الصَّحيح.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2072)، وأحمد رقم (18781)، والحاكم رقم (7503).