خَرَجَ الجَرْحَى بِجِرَاحِهِمْ، وَلَمْ
يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ الكفَّار أنَّ المسلمين خَرَجُوا،
أَوْقَع اللهُ في قُلُوبِهُمُ الرُّعبَ وَقَالُوا: مَا خَرَجُوا إِلاَّ وَفِيهِمْ
قُوَّةٌ. فَهَرَبَ الكفار، فأنزل الله سبحانه وتعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ
مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ
عَظِيمٌ ١٧٢ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ
فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ
١٧٣﴾ [آل عمران: 172- 173]
لَمَّا بَلَغَهُمْ تَهْدِيدُ الكفَّار مَا قَالُوا إلاَّ: حَسْبُنَا اللهُ،
وَنِعمَ الوَكِيلُ. وَلَمْ يَقْتَصِرُوا على هذا، بل خَرَجُوا وَفَعلُوا
الأَسْبَابَ، فَجَمَعوا بين الأمرين؛ ﴿فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ
يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ
عَظِيمٍ ١٧٤إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا
تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٧٥﴾
[آل عمران: 174- 175] فكانت النَّتيجةُ لِلمُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ توكُّلهم على
الله، وبسبب فِعلِهِم للأسباب، ولو أنَّهم بَقُوا في المدينة، ولم يخرجوا، وقالوا
كلامًا فيه لِينٌ مع الكفَّار، أو فيه ضَعفٌ، لَرَجَع الكفَّار حقيقة، واستأصلوا
شأفتهم، ولكن لمَّا قالوا: ﴿حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173] وخرجوا، كانت النَّتيجة: ﴿فَٱنقَلَبُواْ
بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ﴾ [آل عمران: 174] هَلْ هَذِهِ النَّتِيجَةُ حَصَلَتْ مَع
الرَّاحة وَتَرْكِ السَّبب، وَبِزَعمِ التَّوكُّل على الله فقط، أو حَصَلَتْ
بِمَجْمُوع الأَمْرَيْنِ؟
وهكذا
دائمًا وأبدًا - وهذه سُنَّةُ الله في خَلْقِهِ - أنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عليه
واتَّخذ الأسباب النَّافعة، أنَّ اللهَ جل وعلا لا يُخَيِّبُ سَعيَهُ، بل إنَّ
الله جل وعلا يُكْرِمُهُ، وَيُحَقِّقُ لَهُ مَا أَرَادَ مِنَ الخَيْرِ.
وقال
سبحانه وتعالى: ﴿وَخُذُواْ
حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا﴾ [النساء: 102] هذا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه
وسلم وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ سَادَةُ المتوكِّلين على الله؛ قال: