×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

﴿وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ [النساء: 102]؛ لا تَغْفَلُوا عن العدُوِّ وتقولوا: إنَّنا مسلمون متوكِّلون على الله، وَسَيَكْفِينَا اللهُ شَرَّهُمْ، وهذا لا يَجُوزُ.

فلا يَجُوزُ الغَفْلَةُ وَإِهْمَالُ شَأْنِ العدوِّ، بل لا بُدَّ مِنْ تَرَصُّدِ أَحْوَالِهِ، وَدِرَاسَةِ أُمُورِهِ، وَإِعدَادِ العدَّةِ لِجِهَادِهِ.

﴿وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ [النساء: 102]؛ بِمَعنَى: احْذَرُوا عدُوَّكُم. وَأَخْذُ الحَذَرِ سَبَبٌ مِنَ الأَسْبَابِ بَعدَ التَّوَكُّلِ على الله سبحانه وتعالى؛ فَالوَاجِبُ علَى المُؤْمِنِ أَنْ يَجْمَع بَيْنَ التَّوَكُّلِ على الله وَفِعلِ الأَسْبَابِ النَّافِعةِ، ولا يَرْكَنَ إلى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ.

ولمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ لِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ بَعدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جُيُوشٌ كَثِيرَةٌ اجْتَمَعتْ مَع الرَّسول صلى الله عليه وسلم مَعهَا قُوَّةٌ وَسِلاحٌ وَعتَادٌ قَالَ بَعضُهُم: لن نُغْلَبَ اليَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ.

فلمَّا التقى المسلمون والكفَّارُ، حَصَلَ على المسلمين ما حصل في أَوَّلِ القِتَالِ، وَحَصَلَ علَيْهِمْ مِنَ المُضَايَقَاتِ، وَمِنَ العدُوِّ عليهم، وَخَدِيعتِهِ لَهُم - الخديعة الحربيَّة - حيث إنَّ العدُوَّ أَمْهَلَهُمْ حَتَّى دَخَلُوا في الوادي، ثمَّ انْقَضَّ عليهم، وَسَدَّ عليهم خَطَّ الرَّجْعةِ، وَحَصَلَ علَى المُسْلِمِينَ مَا حَصَلَ بِسَبَبِ الإِعجَابِ بِالكَثْرَةِ؛ قال تعالى: ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ ٢٥ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٦ [التوبة: 25- 26] ولمَّا أَعجَبَتْهُم كَثْرَتُهُم، أَدَّبَهُمُ اللهُ سبحانه وتعالى وَهُمْ عبَادُهُ المُؤْمِنُونَ؛ ممَّا يَدُلُّ علَى أنَّ الإِنْسَانَ لا يَعتَمِدُ علَى السَّبَبِ، أو يَعجَبُ بِقَوْلِهِ، أَوْ يَعجَبُ بِسِلاحِهِ دُونَ أَنْ يَتَوَكَّلَ على الله سبحانه وتعالى أوَّلاً وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثمَّ إعداد العدَّة الصَّالحة، وَبِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ لَنْ يُغْلَبَ المُسْلِمُونَ بِإِذْنِ اللهِ عز وجل.


الشرح