×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ قال: حَسْبُنَا اللهُ، وَنِعمَ الوَكِيلُ؛ قال اللهُ للنَّار: ﴿يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ [الأنبياء: 69] وهذا بِسَبَبِ تَوَكُّلِهِ علَى الله عز وجل وَتَفْوِيضِهِ الأَمْرَ إلى اللهِ عز وجل وَتَوَكُّلِهِ علَيْهِ، وهو في هذه الحالة لا يَمْلِكُ غَيْرَ التَّوَكُّلِ، واللهُ جل وعلا يَقُولُ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ [الطلاق: 3].

فالنَّارُ الَّتي كانت تُسْقِطُ الطَّيْرَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ مِنْ حَرَارَتِهَا وَعظَمَتِهَا قَالَ اللهُ لَهَا: ﴿يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ [الأنبياء: 69] وَصَارَتْ رَوْضَةً خَضْرَاءَ.

وجاء في الحديث: «حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَمَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَمَا قَالُوا لَهُ: ﴿إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ [آل عمران: 173] » ([1]) مِمَّا يَدُلُّ على عظَمِ التَّوَكُّلِ، وَأَنَّهُ مَا أُمِرَ به مِنَ اتِّخاذ الأسباب.

والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو سَيِّدُ المتوكِّلين على الله كان يأخذ بالأسباب؛ فكان يُجَيِّشُ الجيوش، وَيُعدُّ السِّلاح، ويأخذ الزَّادَ في السَّفَرِ، وكان صلى الله عليه وسلم يَلْبِسُ الدُّرُوع مِنَ الحَدِيدِ علَى جِسْمِهِ، وَفِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ قاتل بين دِرْعيْنِ مع أنَّه رسول.

الله قادر على أن يَحْمِيهِ، وَلَكِنَّ اللهَ أَمَرَهُ باتِّخاذ الأسباب؛ فَعلَى المُسْلِمِ أَنْ يَتَفَقَّهَ فِي هذا الأمر؛ لأنَّ بَعضَ النَّاس ربَّما يَفْهَمُ مَعنَى الأسباب أنَّ الله سبحانه وتعالى يَكْفِيهِ مَا أهمَّه؛ فَمَنْ فَوَّضَ حَقَّ لكلٍّ، ثمَّ ينتظر النَّتيجة. هذا ليس بصحيح.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4563).