×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

وَمَا حَصَلَ للمُشْرِكِينَ مِنَ الشِّرْكِ بالله عز وجل والكُفْرِ ما حَصَلَ إِلاَّ لأنَّهم توكَّلوا على غَيْرِهِ عز وجل وَوَكَلُوا أُمُورَهُم إلى غَيْرِ الله، واعتَقَدُوا أنَّ غَيْرَ الله سبحانه وتعالى يَقْضِي حَوَائِجَهُمْ، وَيُفَرِّجُ هُمُومَهُمْ، وَيَدْفَع الضَّرَرَ عنْهُمْ، فَاعتَمَدُوا على الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ والأَشْجَارِ والأَحْجَارِ، وَعلَى القُبُورِ وَالأَضْرِحَةِ والمَوْتَى.

اعتَمَدُوا على المَخْلُوقِينَ فِيمَا لا يَقْدِرُ عليه إِلاَّ الله سبحانه وتعالى فَصَارُوا يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ، وَيَذْبَحُونَ لَهُمْ، وَيَنْذِرُونَ لَهُمْ، وَيَصْرِفُونَ لَهُمْ أَنْوَاع العبَادَةِ؛ لأنَّهم اعتَمَدُوا عليهم مِنْ دُونِ الله عز وجل وَظَنُّوا أنَّهم يَنْفَعونَهُم، أو يَضُرُّونَهم، أو يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ.

فَلِذَلِكَ كَفَرُوا بالله عز وجل حِينَ اعتَمَدُوا على غَيْرِهِ، وَتَوَكَّلُوا على سِوَاهُ، وَصَرَفُوا اعتِقَادَهُمْ وَعبَادَتَهُ لِغَيْرِهِ عز وجل؛ فَأَسَاسُ الشِّرْكِ هُوَ التَّوَكُّلُ علَى غَيْرِ الله، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعالَى: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ [المائدة: 23].

قَالَ العلَمَاءُ: تَقْدِيمُ المَعمُولِ ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ [المائدة: 23] يُفِيدُ الحَصْرَ. ومعنى ذلك: تَوَكَّلُوا على الله، لا علَى غَيْرِهِ.

فالله جل وعلا حَصَرَ التَّوَكُّلَ علَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ [المائدة: 23]؛ أَيْ: لا علَى غَيْرِهِ. ﴿فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ [المائدة: 23] فَجَعلَ علامَةَ الإِيمَانِ وَعلامَةَ التَّوْحِيدِ «علَى الله سبحانه وتعالى ».

أَمَّا مَنْ زَعمَ أنَّه مُؤْمِنٌ، وَأَنَّهُ مُوَحِّدٌ، ولكنَّه توكَّل على غير الله مِنَ الأَحْجَارِ والأَشْجَارِ والأصنام والقبور والأموات وغير ذلك، فإنَّ دَعوَاهُ كَاذِبَةٌ، وهو ليس بِمُؤْمِنٍ؛ لأنَّه تَوَكَّلَ علَى غَيْرِ اللهِ عز وجل فِي أُمُورِهِ.

وكذلك التَّوَكُّلُ على الله يَكُونُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ الدُّنْيَوِيَّة في جَلْبِ الرِّزْقِ، وَمَنْع العدُوِّ عنه، وَمَنْع الأَذَى والضَّرَرِ عنْهُ؛ فالتَّوَكُّلُ على الله يَكُونُ فِي أُمُورِ الدِّين والدُّنيا.


الشرح