×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

فَهُمْ يَعتَقِدُونَ أَنَّ لله أَسْمَاءً وَصِفَاتٍ يَلِيقَانِ بِهِ سبحانه وتعالى لا يُشْبِهُ فِيهِمَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَهَذَا هو مَوْقِفُ الاعتدال بَيْنَ المعطِّلة والممثِّلة.

وَفِي القَضَاءِ وَالقَدَرِ هُمْ وَسَطٌ بَيْنَ الجَبْرِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ؛ الجَبْرِيَّةُ الَّذِينَ يُغَالُونَ فِي إِثْبَاتِ القَدَرِ، حتَّى يَسْلُبُوا العبْدَ فِعلَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيَجْعلُونَهُ مُجْبَرًا علَى أَفْعالِهِ، لَيْسَ لَهُ فِيهَا اخْتِيَارٌ، ولا مَشِيئَةٌ، وإنَّمَا هو كالآلَةِ الَّتِي تُحَرَّكُ بِدُونِ اخْتِيَارِهَا. هَذَا مَذْهَبُ الجَبْرِيَّةِ مِنَ الجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَبَيْنَ مَذْهَبِ القدريَّة الَّذين يُغَالُونَ فِي قُدْرَةِ العبْدِ وَمَشِيئَتِهِ، وَيَجْحَدُونَ قُدْرَةَ اللهِ وَمَشِيئَتَهُ وَتَقْدِيرَهُ للأفعال والأعمال، وَيَقُولُونَ: إنَّ العبْدَ هُوَ الَّذي يَخْلُقُ فِعلَ نَفْسِهِ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لله في ذلك تَقْدِيرٌ سَابِقٌ، أو كِتَابَةٌ فِي اللَّوْحِ المحفوظ، وإنَّما هو شَيْءٌ العبْدُ يَفْعلُهُ مُسْتَقلًّا. هَذَا مَذْهَبُ القَدَرِيَّةِ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعةِ الوَسَطُ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ؛ فَهُمْ لا يُغَالُونَ في إثبات مشيئة الله وَقُدْرَتِهِ غُلُوَّ الجَبْرِيَّةِ، فَيَنْفُوا أَفْعالَ العبْدِ، ولا يُغَالُونَ في إِثْبَاتِ أَفْعالِ العبْدِ غُلُوَّ القدريَّة، فينفوا مَشِيئَةَ الله وَقُدْرَتَهُ، وإنَّمَا يَقُولُونَ: العبْدُ يَفْعلُ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، ولكنَّه لا يَخْرُجُ عنْ مَشِيئَةِ الله وَقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ، وذلك كما في قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٩ [التكوير: 28- 29] فاللهُ أَثْبَتَ لِلعبْدِ مَشِيئَةً وَقُدْرَةً وَاخْتِيَارًا، وَأَرْجَع ذلك وَرَبَطَهُ بِمَشِيئَتِهِ سبحانه وتعالى. ﴿وَمَا تَشَآءُونَ [التكوير: 29] رَدٌّ على الجبريَّة. وقوله تعالى: ﴿إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ [التكوير: 29] رَدٌّ على القَدَرِيَّةِ.


الشرح